تأخير الظهر لعذر لا ذنب فيه.. رؤية تربوية في ضوء الدوام الدراسي

تأخير الظهر لعذر لا ذنب فيه.. رؤية تربوية في ضوء الدوام الدراسي

كتب | محمد العياشي alayashi2017@

 
في إحدى الحصص الدراسية، وتحديدًا في الحصة السادسة، وبعد أن صدح أذان صلاة الظهر في أرجاء المدرسة، رفع أحد طلابي يده وقال لي بنبرة يغلب عليها العتب: يا أستاذ، أيعقل أننا نكمل عامًا دراسيًا كاملًا – معلمين ومعلمات وطلابًا – دون أن نصلي الظهر في وقتها، ودون أن نؤديها جماعة؟ وعتبنا عليك كبير، فأنت معلم التربية الإسلامية.

كلماته كانت صادقة وعفوية، لكنها حملت في طياتها سؤالًا عميقًا يستحق الوقوف عنده. عندها أدركت أن الموقف ليس مجرد تساؤل عابر، بل هو رسالة تربوية يجب أن تُفهم وتُبنى عليها ممارسات واقعية داخل مدارسنا.

فقلت له ولزملائه: يا أبنائي، إن وقت صلاة الظهر يبدأ من لحظة الأذان ويستمر حتى قبل أذان العصر بدقائق، والواجب على المسلم أن يؤديها في وقتها قدر استطاعته، لأن الصلاة عمود الدين، ولا يجوز التفريط فيها عمدًا.
لكن من العذر المقبول شرعًا أن يتأخر الإنسان في أدائها قليلًا بسبب دوامٍ دراسي أو التزامٍ رسمي لا يمكن الانصراف منه إلا بعد نهاية الحصة، ما دام يصليها قبل دخول وقت العصر، فالعذر هنا لا يُسقط الصلاة ولا يجعل التأخير تفريطًا.

ومن الحلول الشرعية والتربوية أن نتعاون كإدارة ومعلمين وطلاب على أداء الصلاة في المدرسة جماعة بعد انتهاء الدوام مباشرة، أو أن يبادر كل منّا إلى أدائها جماعة في بيته مع أحد أفراد أسرته إن تعذّر الأمر في المدرسة.
وإن لم يجد من يصلي معه، فليصلها منفردًا، ولا حرج عليه في ذلك، فالضرورة تقدر بقدرها، ما دام محافظًا على الصلاة في وقتها، كما أوضح أستاذنا الدكتور يوسف الرخمي حفظه الله في فتواه حول هذه المسألة.

كما أرى من الواجب أن تخصص إدارة المدارس مصلى للبنين وآخر للبنات، مع توفير دورات مياه قريبة لتسهيل الوضوء وأداء الصلاة، إلى جانب الاستفادة من تلك المصليات في حصص التربية الإسلامية والقرآن الكريم لتعزيز الجانب العملي للعبادة، وتربية طلابنا على حب الصلاة والحرص عليها.

إنّ تأخير الصلاة لعذر لا يعني التهاون، بل هو مراعاة للواقع مع المحافظة على المقصد الشرعي. وعلينا  أن نكون قدوة في ذلك، وأن نذكّر  طلابنا دومًا بأن الصلاة ليست مجرد عبادة وقتية، بل تربية روحية وسلوك حياتي ينعكس أثره في الانضباط والصدق والنية الصالحة.

وهكذا يصبح موقف بسيط في الحصة السادسة  درسًا تربويًا حيًا، يذكّرنا جميعًا بأن المحافظة على الصلاة ليست مسؤولية فرد واحد، بل هي قضية تربوية مشتركة تبدأ من الإدارة وتنتهي عند الطالب في مقعده.