النساء..واقع يستحق البكاء .. !!

في المشهد الأخير لفيلم " شفرة دافنشي" يظهر بطل الفيلم "توم هانكس" وهو يبكي، بعد عثوره على قبر "ماريا المجدلية ".. المشهد بدا كما لو أُُقحم في سيناريو الفيلم، ما يجعل المشاهد يتساءل مُتعجباً، لماذا بكى "هانكس" وهل كان الحدث متناسباً مع كل ذلك الحزن الذي أظهره بطل الفيلم ؟!

 يمتلك "هانكس" براعة تمثيلية فائقة، فمجرد النظر لوجهه الباكي، يكفي لأن تستشعر الكم الهائل من الألم والحزن.، وهو حزن يختزل آلاف السنين من التحريض الممنهج ضد المرأة، وعبر مختلف الحضارات.. 

الفيلم المقتبس عن رواية بذات الاسم للكاتب الأمريكي "دان براون"، أزال ركاما من الأباطيل والخرافات الراسخة حول شخصية المسيح عليه السلام، ليُعيد إليه طبيعته البشرية، بعدما أضفت عليه المذاهب الأنجليكانية سمات الألوهية. مثلما ألقى ضوءاً كاشفا على أمد طويل من الجوانب المظلمة للتحيزات الذكورية ضد المرأة، وهي تحيُزات بلغت ذروة بشاعتها في إحراق ما يقارب الخمسة ملايين إمرأة، في العصور الوسطى المظلمة لأوروبا، وبتحريض مباشر من الكنيسة.

حملة "التطهير المقدسة" كانت التجلي الأكثر وحشية، لقرون عديدة من جهود مكثفة استهدفت تسفيه وتحقير المرأة وتشويه أدوارها المجتمعية والعملية، جرى تغليفها بإسقاطات خرافية، وأُطر نظرية رسمت الخطوط العريضة للممارسات الجهنمية ضد المرأة، وأثمرت لاحقاً صدور كتاب "مطرقة الساحرات" .. الكتاب الذي لقّن رجال "الأكليروس" المسيحي، الأساليب الشيطانية للتعامل مع النساء بوصفهن رجساً ينبغي أزالته..!!

وعلى نحو مقصود ومكشوف، استهدفت حملات الإبادة والتشويه، النساء المستنيرات في المجتمع، ومنهن قابلات و طبيبات وجامعات أعشاب وعالمات فلك ورياضيات.. لتتواصل الحملة في أوروبا المسيحية لأكثر من ٣٠٠ عاما، ولتنتقل بطريقة او بأخرى لعديد مجتمعات أخرى.. كانت نتيجتها المأساوية؛ عدم ظهور عالمات مسيحيات وحتى مسلمات في أي من المجالات العلمية والمعرفية حتى وقت قريب.

التحريض الممنهج ضد المرأة، وجهود تسفيهها وتحقيرها التي وصلت حد شيطنتها، وجعلها مبعث كافة الشرور في العالم.. حاولت أن تجد تأصيلاً لها في الدين، لكنها أتت من خارجه، ومتنافية مع غاياته، بل وضداً على ما شهدته الحضارة البشرية منذ فجر ظهورها.

مع الخيوط الأولى لإشراقة الحضارة الإنسانية، أخذت المرأة مكانتها المتفردة، حتى أنها كانت إلها يُعبد في عديد حضارات غابرة.. كانت المرأة كياناً مقدساً، فهي واهبة الحياة ومنبع الحياة المتجددة..وتفردها بعملية الولادة التي كان ينظر اليها بوصفها اعجازا مدهشا، جعلتها جديرة بهكذا مكانة.

باستثناء تلك الحقبة الغابرة، فإن الحضارة البشرية، لا تعدو كونها تاريخا ًمؤلماً ومؤسفاً من القهر والاضطهاد والإذلال المتعمد للنساء، وتحميلهن وزر كل شر وفتنة وجعلهن منبع كل رذيلة.. وهو نمط من التحَيُز المُؤسَس على تراكمات من الأوهام والخرافات والأساطير ، لاتزال تلقي بظلالها الكئيبة على واقع مجتمعاتنا حتى الآن.. وهو واقع يستحق البكاء، وتستحق النساء لأجله وبسببه البكاء، تماماً كما فعل "هانكس".