تدابير خفض التصعيد ليست النهاية
رغم توافقي مع وجهة النظر التي تعتبر اتفاق الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي على تدابير خفض التصعيد المالي والمصرفي والطيران، بأنه اتفاق تم إخراجه بشكل ينحاز إلى الحوثيين على حساب الحكومة الشرعية، التي كان الأحرى بالرعاه الإقليميين والدوليين منحها مقابل ذلك استئناف تصدير النفط المتوقف نتيجة الضربات الحوثية الإرهابية على مناطق وموانئ التصدير.
ومع ذلك فإن هذا الاخراج لا يعني نهاية المطاف وانتصار الحوثي فهناك أمر يمكن أن يحدث عكس ذلك، والمتمثل بجر الحوثيين إلى مربع السلام لكونهم جماعة لا تجيد التحرك في هذا المربع وتعمد دوماً للهروب منه إلى مربع العنف، وهذا ما تثبته تجارب الاتفاقات السابقة في إطار العملية السياسية في اليمن التي كانت فيها ناكثة للعهود ولا تلتزم تخوفا من اي استحقاق سياسي قادم من ناحية، ومن ناحية أخرى تهرب إلى الأمام وتصر على البقاء في مربع العنف للتنصل من الالتزامات التي تقع عليها تجاه المواطنين في مناطق سيطرتها المحرومين من الخدمات والمرتبات المنقطعة منذ سنوات.
جنوباً ورغم التحيز في هذا الاتفاق إلى أنه ليس أيضا نهاية المطاف، فحين ننظر إلى التجارب السابقة منذ اتفاق الانتقالي والشرعية مروراً بخارطة الطريق بين الشرعية والحوثيين وصولاً إلى اتفاق التدابير الأخيرة، سنجد أن ردة الفعل والحملات التي رافقتها، وما نتج عنها من رأي عام، تتشابه مع ما نشهده اليوم من ردة فعل تعتبره تفريط بالجنوب وقضيته ومدخل نحو العودة لباب اليمن، ولكن مثل ما أثبتت التجارب السابقة أن الرأي العام كان مؤقت وردة الفعل غير واقعية، وبالتالي فإن هذه الاتفاق الأخير لن يختلف عن سابقاته، ومن غير المنطقي إعطاءه اكبر من حجمه.
ما تتطلب المرحلة المقبلة هو حسن إدارة الأزمة من خلال التعاطي الإيجابي مع المواقف والمخاوف الإقليمية والدولية وتوظيف الجوانب الداخلية بما فيها الجانب الإنساني، والعمل بجدية من أجل تحقيق مكاسب تعيد التوازن للشرعية وعلى أقل تقدير مكسب إعادة تصدير النفط، والذي له أثر إنساني على المجتمع بأكمله، سيما والموقف الدولي يعزف على وتر الجانب الإنساني، مع التذكير بخطورة التماهي مع المليشيات الحوثية وانعكاساته المستقبلية، وتجربة اتفاق الحديدة ليس ببعيد والتي يتحمل الكل تباعتها من خلال استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب.
25 يوليو 2024م.