اتصال.. المحاكاة العصرية لحادثة المعراج.
في العقد الأخير من القرن الماضي، أنتجت "هوليود" أحد أروع أفلامها: فيلم " اتصال، contact" المقتبس عن كتاب الكون، الكتاب الأكثر شهرة عالميا، لمؤلفه عالم الفيزياء الفلكية "كارل ساجان".
"ساجان" أيضا كان له نصيب وافر في إعداد سيناريو الفيلم، وهو إلى جانب شهرته في علوم الفيزياء الفلكية، معروف بسعة إطلاعه على الديانات السماوية الكبرى، اليهودية والمسيحية والإسلام، رغما عن نزعته العلمانية والإلحادية.
الفيلم، اختزال مكثف لعديد من الحقائق والنظريات العلمية، ليس أقلها نسبية انشتاين والسفر عبر الزمن ونسبيته.. إلا أنه بالقدر ذاته استلهام بارع الذكاء وبلغة سينمائية مدهشة لحادثة معراج الرسول الأعظم إلى السماوات الُعلى.
حادثة المعراج الغرائبية، كانت إعجازا إلهيا، ولاتزال كذلك، وكثير من الأعمال الأدبية اللاحقة، تدين بمذاقها العجائبي والفني لهذه الحادثة، لعل أشهرها " رسالة الغفران" للمعري والكوميديا الإلهية لدانتي، ويمكن التأكيد يقينا أن فيلم اتصال هو المحاكاة الحداثية الثالثة لها.
الشاهد: تفصيلات الفيلم، ولقاء. بطلته "جودي فوستر" بوالدها المتوفي عندما كانت لاتزال طفلة، في ذلك العالم البعيد الذي انتقلت إليه بمفردها، عبر أحد الثقوب الدودية، وما يحمله الأمر من تطمين وتهدئة لوحشتها، تماما كما سمع الرسول الكريم، صوت صديقه الأثير " أبي بكر" حال وصوله وحيدا، سدرة المنتهى.. ثم تلك المحاججة في نهاية الفيلم بين الممثلة الرئيسية واللجنة العلمية، فور عودتها من رحلتها الخاطفة والعجيبة، ومحاولة العلماء حثها، دون جدوى، على سحب شهادتها حول انتقالها لفضاء أو بُعد كوني آخر، لأن الأمر لا يعدو ، من وجهة نظرهم، فشلا ذريعا للرحلة المأمولة، خاصة أن مركبتها سقطت وتحطمت في غضون دقائق قليلة، ما يعني بطلان إدعاء سفرها عبر الزمان والمكان طيلة ١١ ساعة كاملة.
أمام هذه المحاججة العلمية حصرا، لا يملك المشاهد سوى استرجاع موقف قريش من حادثتي الإسراء والمعراج وتكذيبهم للرسول الكريم، بل وتجعل المشاهد يستحضر الآيات القرآنية:
( ماكذب الفؤاد ما رأي، أفتمارونه على ما يري). !!