الدولة القانونية وأثرها في ترسيخ الانتماء الوطني

الدولة العادلة هي الدولة القانونية؛ بمعنى أنها وصلت إلى مراحل متقدمة من تطبيق القانون، أي أنها أصبحت تحكم وتتحكم وتحتكم إلى القانون.
ولذلك فالدولة القانونية يشعر أتباعها بالوطنية والانتماء للوطن، لأن دولة القانون تعمل على تطبيق مستويات رفيعة من العدالة. ولا نقول العدالة الكاملة، لأن الكامل العادل هو الله تعالى وحده فقط.
ولكن كما فهمنا أو كما تعلمنا، هناك نوعان من العدالة، وهي في الحقيقة تندرج جميعها تحت مسمى العدالة، تسعى الدولة القانونية لتحقيقها، وكلا النوعين بالغ الأهمية:

العدالة الواسعة:
وهي تعني واجبات الدولة الأساسية. ويسميها البعض وظائف الدولة الأساسية، وآخرون يطلقون عليها مصطلح (حقوق المواطن الأساسية).
مثال على ذلك – وليس حصراً – حق الحماية، وحق الرعاية الصحية، وحق الرعاية الاجتماعية، وحق التعليم، وسائر الحقوق الأساسية الأصيلة. فكل هذه الحقوق أو الوظائف يجب أن تكون مكفولة للجميع دون استثناء وفق قواعد قانونية أساسية. فالغني ينال العلاج وفق التأمين الصحي، والفقير ينال العلاج المجاني، وكذلك المعسر يجب أن ينال الرعاية الاجتماعية... إلخ.

أما العدالة الضيقة:
فهي حق المواطن في اللجوء إلى الأجهزة الحكومية مثل الأمن والنيابات أو المحاكم وغيرها من المؤسسات المختصة للدفاع عن حقوقه أو المطالبة بها أو طلب الحماية... إلخ.

ولذلك من الطبيعي أن العدالة الضيقة أحياناً قد يعتريها نقصان أو ظلم، إما لنقص الأدلة، أو ضعف صاحب الحق، أو براعة المحامي، أو فساد موظف... إلخ. لكنها قليلة في المجتمعات القانونية، ومع ذلك تحصل أحياناً ولو في الحدود الضيقة.

لكن العدالة الواسعة في الدول القانونية يستحيل الظلم فيها، لأنها مبادئ أساسية مكفولة بكل قوة ولا يمكن حرمان أحدٍ منها، لأنها محمية بوسائل عظيمة يصعب تجاوزها.

لذلك تكون الحياة مستقرة في الدول المتقدمة (القانونية)، فالعدالة الواسعة تضمن للمواطنين الحفاظ على كرامتهم الإنسانية. لأنه حتى لو افترضنا أنه تم ظلم شخص ما في العدالة الضيقة، فإن العدالة الواسعة تضمن له الجانب العظيم من العدالة، ولذلك فهو لا يشعر بالظلم أو المهانة، لأن لديه عقداً اجتماعياً عظيماً، اسمه الدولة، أو بمعنى أدق "الوطن". وهنا يتجلى الشعور الحقيقي لمفهوم الانتماء الوطني.

... الموضوع له تكملة ...
المحامي مثنّى السفياني
مدير عام مكتب الشؤون القانونية في محافظة الضالع