حفلة الكذب في "عدن"... حين يُجاع الشعب وتُسافر الرئاسة و الحكومة
مرت ذكرى 26 سبتمبر بكلمات متعددة لسياسيين تتغير وجوههم ولا تتغير لغتهم، واحتفالات متباينة الشكل والمضمون. وقريباً ستمر ذكرى 14 أكتوبر، مناسبة أخرى ستُستهلك في خطابات متشابهة، يلقيها طابور متنوع من السياسيين، تتبعها حفلات لا تعني للمواطن شيئًا في ظل معاناته المستمرة.
وفي هذه المدينة، عدن، التي تُوصف بأنها "عاصمة الشرعية المؤقتة"، تتحول الوقائع اليومية إلى مرآة عاكسة لفشل سلطات باتت عاجزة حتى عن تبرير وجودها، إلا من خلال مظاهر شكلية، وخطابات فارغة، وادعاءات لا تصمد أمام واقع المواطنين.
لأكثر من أربعة أشهر، يُترك موظفو الدولة دون رواتب. عشرات الآلاف من المعلمين، الأطباء، الجنود، والموظفين المدنيين يعيشون في مواجهة مباشرة مع الجوع، العجز، والإهانة، بينما لم تصدر عن الحكومة ولا عن المجلس الرئاسي أي مؤشرات على تحمّل المسؤولية أو السعي الجاد نحو حل.
في المقابل، يتنقّل أعضاء المجلس الرئاسي بين العواصم، وتُدار الوزارات عن بُعد من فنادق الخارج، حيث يقيم معظم الوزراء – وعددهم 27 – في رخاء بعيد عن الأزمات. تتواصل صرفياتهم بالدولار، وتزداد التعيينات في المناصب العليا بلا حسيب أو رقيب. أما الوكلاء والمستشارون وما يسمّى بالمسؤولين "في الظل"، فتتضاعف امتيازاتهم تحت غطاء شرعية لم تعد تُمثّل أحدًا.
ما يجري لا يمكن اختزاله في مجرد "فشل إداري". إنه سلوك ممنهج يُعبّر عن عدوانية سياسية تجاه الشعب. إذ بينما يُفرض على المواطن تقشفٌ قهري، تتصرف السلطة وكأنها تُدير شركة خاصة، تستفيد منها نخبة محدودة، وتُترك الأغلبية في دوامة الفقر واليأس.
المثير للسخرية أن أحداً لا يتحدث عن تقشف في نفقات المجلس الرئاسي أو الحكومة. لا مراجعة لميزانية السفرات، ولا توقف عن إنشاء اللجان الوهمية، ولا حساب لمخصصات لا يستحقها كثيرون. بل على العكس، تسير حياة "السلطة" بكل أريحية، وكأن لا كارثة تضرب البلاد.
وما يزيد المشهد فظاعة، أن الشعب يُطالَب بالصبر والصمت والتحمّل، وكأن الجوع فضيلة، والتضحية فرض دائم، والصمت واجب وطني.
فما هي خيارات الناس اليوم؟
هل سيواصلون الصمت، كما في محطات سابقة؟
هل ينتظرون "الحل الخارجي" الذي لا يأتي؟
أم أن اللحظة قد حانت لإعادة تعريف العلاقة مع هذه السلطة، وفرض الإرادة الشعبية مجدداً بأدوات مدنية وسلمية توقف هذا العبث؟
لقد آن الأوان لطرح السؤال الذي يُؤجل دائماً:
لمن تُدار هذه البلاد؟ ومن الذي يدفع الثمن؟