من فتّح عينيه فقد سعادة العميان  !!..

بروفيسور/ قاسم المحبشي ...

( لا أعتقد أننا عمينا بل أعتقد أننا عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون)
أخر عبارة قالتها بطلة رواية العمي للكاتب البرتغالي جوزيه ساراماجو.

المرأة قد تجعل من يحبها سعيدا أما الفلسفة فلا تجعل من يعشقونها سعداء حتى وأن كانوا كذلك في حياتهم الخاصة وتلك هي مفارقة الوجود الأصيل والوجود الزائف بحسب هيدجر. الفيلسوف كائن مغترب لا يجيد التكيف مع الهُم والاندماج السعيد مع الواقع كما هو كائن بل يفكر فيما يجب أن يكون؟ وما اصعب الخروج من الكهف الأفلاطوني ومن خرج تستحيل عليه العودة وتلك هي محنة الفلاسفة في كل زمان ومكان. خياران فقط أن أردت أن تكون سعيدا فأبقى في الكهف وأن أردت أن تكون عارفًا فعليك التضحية بالسعادة لصالح المعرفة. وتلك هي معضلة آدم وحواء في الجنة أكلا من الشجرة المحرمة. فانكشفت لهما الدنيا فاقبلا عليها فأمرهم الله بالخروج من فردوس البراءة الأولى إلى حياة الشقاء في دنيا الفساد وسفك الدماء.وكل وظيفة الأيديولوجية والأديان هي منح الإنسان بديلا وهميا عن الفردوس المفقود، يتمثل في اعادة دمجه في الحياة الاجتماعية السعيدة؛ حياة التكيف والامتثال للنمط العام حيث يندمج الكائن في خضم الكينونة ولا يراها.إذ تستغرق كل كيانه وجوارحه، والغارق في البحر لا يراه. والذي يسير وسط الغابة لا يراها ، وكلما أبتعدنا مسافة عن الأشياء التي تغرقنا كلما أستطعنا رؤيتها بوضوح أكثر وتمكننا من تقيمها وتقديرها كما هي عليه بالواقع لا كما نحبها أن نراها!  لذا قيل أن الحب أعمى! لان المحبين يقتربوا من بعضهم حد الألتصاق والتوحد بما يجعلهم في عمى عن رؤية بعضهم وأكتشاف المميزات والعيوب. البعد يكشف والقرب يعمي.العميان وحدهم هم السعداء. وليس هناك ما يدل على المعنى من المثل الأثير القائل( فرحنا بالأعمى يؤنسنا ففتح عيونه ففزعنا) والناس نيام إذا ماتوا إنتبهوا!
وفي ذلك أنشد ابو الطيب المتنبي :
 ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ 
وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ