عدن مدينة الأزمات المتجددة

يبدو أن عدن قد أصبحت مختبراً لتجارب الأزمات، فمنذ أن وعينا على غفلة من الزمن الرديئ وهي تتنقل بين أزمة وأخرى كأنها عداءة محترفة في سباق ماراثوني مع المعاناة لا نهاية لها، وبالكاد ما أن تنفسنا الصعداء بعد أزمة البترول، حتى هجمت علينا أزمة الكهرباء كوحش مفترس، ثم ما نكاد نتأقلم مع ظلامنا الدامس حتى أطل  علينا رمضان المبارك برحمته محملا نسائم الراحة والسكينة، ولما شعر المواطن بأن الوضع أصبح مستقراً نسبيا أكثر من ذي قبل، سارعت الشياطين  إلى ضخ “نكهة المعاناة” من جديد عبر أزمة جديدة تماماً، وهي أزمة الغاز المنزلي.

فليعذرنا الفيلسوف توماس هوبز، لكننا هنا في عدن لا نعيش في “حياة بائسة قصيرة” فحسب، بل نعيش في مسلسل درامي طويل الحلقات، من إنتاج حكومي بامتياز، عنوانه العريض ''لا راحة لكم أيها المواطنون'' فكلما اعتقدنا أن الحياة قد ابتسمت لنا، اكتشفنا أن ابتسامتها لم تكن سوى سخرية القدر. 

ولك أن تتخيل المشهد أن مواطن عدني استيقظ صباحاً، أشعل الراديو (بعد أن انقطعت الكهرباء طبعاً) ليسمع أخبار العالم، وجد أن أسعار النفط انخفضت عالمياً، لكن في بلاده لا يزال الوقود نادراً. شعر بالأمل وقال: “حسناً، على الأقل لدينا ''الغاز المنزلي'' ليفاجأ بأن الغاز أيضاً قد اختفى بقدرة فاعل، وأصبحت أسطوانة الغاز هي الأخرى في خبر كان.

وهنا تبدأ رحلة البطل العدني في ملحمة البحث عن الغاز، يقف في طابور طويل، رأيته اليوم بأم عيني، أوله وسط مدينة التواهي، وآخره في ''حجيف'' على مشارف مديرية المعلا، مع أننا نقرأ كم من الأخبار الزائفة عن “تحسن الأوضاع” ونضحك بسخرية خاصة عندما نشاهد مسؤولي الحكومة يتحدثون عن “جهود حثيثة” لحل الأزمة، ليحذونا الشغف لنبادلهم الشعور بالمسؤولية لنخلع نعلينا بانتظار الحل. 

نحن في عدن، عزيزي الشامت، لسنا بحاجة إلى نشرة الأخبار اليومية، فكل ما علينا فعله هو سؤال أنفسنا: ما هي الأزمة الجديدة التي ستُفتعل اليوم؟ 
فمن يدري، قد يستيقظ المواطن غداً ليجد نفسه في الشارع يتسول جرعة هواء ولن يجدها.  
مع ذلك  نعد حكومتنا المحترمة بأننا محصنون ضد الصدمات مهما تفننت في أذيتنا، وأن المواطن في عدن لن يتوقف عن الحياة. 

في النهاية، دعونا لا نغضب كثيراً، فكما يبدو أن هذه الحكومة الموقرة تعمل بنظرية رياضية بحتة، كلما حلّت أزمة، يجب خلق أخرى، حتى لا يعتاد الشعب على الراحة، لربما فكر بالإنفصال. 

ولنا الله