في العلاقات البيّنية بين العلوم الطبيعية والإنسانية... ( من وحي حلقة الرياض الفلسفية )

في العلاقات البيّنية بين العلوم الطبيعية والإنسانية... ( من وحي حلقة الرياض الفلسفية )

كتب / الدكتور قاسم المحبشي..*

 ( من رحمها ولدت كل العلوم ثم تفرقت فعادت الآن إلى حضنها؛ فمن هي ؟ الجواب )..
------------
سنحت لي الفرصة بزيارة جامعة الملك سعود بدعوة كريمة الأستاذ الدكتور سامي بن عبدالعزيز الدامغ عميد الكلية ورئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر الدولي الأول ( العلوم الإنسانية أكاديمياً ومهنياً : رؤى استشرافيّة) الذي انعقد في رحاب كلية الآداب في 6_  7 إبريل 2015م وكان لي شرف المشاركة بورقة بحثية بعنوان : العلوم الإنسانية وسوسيولوجيا العلم المعاصر...

حينما أرسلت ورقتي كنت شديد التوجس من عدم قبولها إذ كانت تنطوي على جرعة فلسفية نقدية عالية بمعايير تلك الأيام المتجهمة إذ كان التفكير النقدي من المحرمات الكبرى في المملكة العربية السعودية أما وقد تم أجازتها فقد استبشرت خيرا وادركت أن المملكة بنخبها الأكاديمية الواعية على وشك الانتقال إلى فضاءات أرحب في الفلكر والممارسة..

 واتذكر أنني أثناء إقامة في المملكة نشرت جملة من المقالات الفلسفية في صحيفة الشرق السعودية ورئيس تحريرها الأستاذ المثقف محمد الشمري ومن المواقف الطريفة مع رئيس التحرير؛ أنه كان يتصل به بشأن بعض المقالات الفلسفية التي ابعثها اليه عبر الايميل ويطلب مني تخفيض السقف! كان سقف القول والكتابة الفكرية حينها لا يتجاوز اللغة التقليدية والعبارة الرتيبة وكنت اتحايل بتسريب الأفكار الفلسفية بلغة ادبية شديدة الرمزية والغموض. لغة الطير????️ كما تقول العرب كتبت ونشرت أيامها عن: فلسفة النهضة وعن أهمية التفكير النقدي وعن التعليم العقلاني بوصفه سبيلا لمناهضة التطرف والإرهاب وعن فلسفة التاريخ والحضارة وعن فلسفة العلم وعن الفلسفة النسوية وعن حضارة الموجة الثالثة وصدمة المستقبل ل اولفين توفلر وعن العرب والعولمة وعن العقل والحربة وأشياء كثيرة أخرى؛ حوالي ستين مقالا منشورا في موقع صحيفة الشرق الصادرة في الدمان كان ذلك عام 2015م..

 والحق أقول! أنني عرفت الدكتور عبدالله المطيري رئيس الجمعية الفلسفية السعودية -التي تأسست بالرياض قبل أربعة سنوات 2020م - عرفته عبر كتاباته الفلسفية المتنوعة إذ ربما كان الكاتب السعودي الوحيد الذي يكتب عن الفلسفة بالف ولام التعريف الكبيرين في المجلات والصحف والمواقع الالكترونية وقد سعدت بالتعرف عليه وجه لوجه في مؤتمر بيت الفلسفة بالفجيرة نوفمبر 2021م إذ كان ذلك المؤتمر اقصد  مؤتمر ( العلوم الإنسانية أكاديمياً ومهنياً : رؤى استشرافيّة) الذي انعقد في رحاب كلية الآداب في 6_  7 إبريل 2015م) فتحا جديدا وينطوى على أهمية استثنائية بالغة القيمة الإبستيمولوجية والحيوية السوسيولوجية بالنظر إلى الأهمية المتزايدة التي باتت تشكلها العلوم الإنسانية والاجتماعية في التصدي لمشكلات وأسئلة حياة الإنسان والمجتمع المعاصر في سياق عملية النموه والتنميته المستدامة، فضلاً عن الأهميته الأكاديمية والمهنية التي يكتسبها انعقاده على صعيد تفعيل العلوم الإنسانية في المؤسسات الأكاديمية في المجتمعات العربية المعاصرة التي مازالت أسيرة النظرة الضيقة في التعامل مع العلوم الإنسانية والاجتماعية بالقياس إلى العلوم الطبيعية، وهي النظرة التي تم نقدها وتفنيدها وثبت بطلانها في معظم الجامعات المتقدمة..

إذ جاء المؤتمر متسقاً اتساقاً كاملاً مع الوظائف الاساسية للمؤسسة الجامعية التي هي اولاً: وظيفة التعليم المتمثلة  في حفظ وصون ونقل وتداول وتعليم المعرفة العلمية وثانياً: وظيفة البحث العلمي في نقد وتقييم  وتجديد وإنتاج وتطوير المعرفة العلمية. وثالثاً وظيفة خدمة المجتمع وتنميته المستدامة المتمثلة  في استعمال وتطبيق المعرفة العلمية من خلال بحث ودراسة وتحليل المشكلات الإنسانية والاجتماعية  واقتراح السبل الممكنة لحلها وتجاوزها. وقد كتبت يومها : أن جامعة الملك سعود بتنظيمها هذا المؤتمر الدولي النوعي  قد القت بحجر في مياه بحيرة العلوم الإنسانية العربية الإسلامية التي باتت مسألة  تحريكها وتفعيلها اليوم ضرورة ملحة تحريكها لتتمكن من الاضطلاع والنهوض بمسئوليتها ووظيفتها العلمية والتنموية والتنويرية في واقعنا العربي المثقل بالقضايا والمشكلات الاجتماعية والإنسانية المتفاقمة والتي لا سبيل الى التصدي لها إلا بالعلم والمنهج العلمي بوصفه  شرطاً لنمو وتقدم الشعوب وعنوان تفوقها. ولما كان العلم بجميع أبعاده وعناصره المعرفية النظرية والمنهجية الطبيعية والإنسانية..

يعد العامل الابرز في  تطور وتقدم الحضارة المعاصرة إذ إن ما شهده القرن العشرون من أحداث ومتغيرات عاصفة وتبدلات جذرية في مجمل البيئة الاجتماعية وفي مجمل ظروف حياة الإنسان الاجتماعية  في كل بقاع الأرض، كان بفضل الانتصارات المذهلة للعلم والمعرفة العلمية، وربما تميز القرن الراهن ؛ قرن العلم والثورة العلمية بامتياز في ادراك الطبيعة التكاملية بين انساق المعرفة العلمية (الطبيعية والإنسانية) بوصفها  معرفة إنسانية من إبداع الإنسان ومن أجل خدمة الإنسان وفي سبيل تنميته وسعادته وتقدمه وازدهاره ، ولا طريقة تتفوق على غيرها بالقيمة  في دراسة المواضيع ، بل وربما كانت العلوم الإنسانية والاجتماعية تحظى بأهمية وقيمة استثنائية في بحث ودراسة المشكلات والعلل والإمراض الاجتماعية والسياسة والثقافية والأخلاقية والنفسية ..الخ التي اخذت تفتك بالإنسان والمجتمع المعاصر بما فيها المشكلات التي خلفها العلم والتقدم التكنولوجي ذاته..

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية شهد العالم  ظهور أنماط جديدة من الظواهر والمشكلات الإنسانية والاجتماعية،وسرعة تحولها إلى مشكلات عالمية، كمشكلة سباق التسلح والحروب والأمن والسلام الدوليين، ومشكلات البيئة الأرضية والأوزون، وصدام وحوار الحضارات، ومشاكل الاقتصاد والتجارة والمال والأعمال العابرة للقارات. ومشاكل الفقر والصحة والمرض، ، والتطرف والإرهاب والعنف، ومشاكل الهويات والتعددية الثقافية، والأقليات والتمييز والتعصب والاستبعاد الاجتماعي، والهجرة غير الشرعية، والمخدرات والبطالة والفقر والحركات الاجتماعية، والمرأة والطفل والشباب، وكل ما يتصل بحقوق الإنسان، ومشاكل السياسة والنظم السياسية والعدالة والحرية والديمقراطية والمجتمع المدني. والمشكلات الأخلاقية للعلم؛ كالاستنساخ، وزراعة الأعضاء، ومنع الحمل، ومشاكل الفضاء السيبرنيتي والأقمار الاصطناعية والوسائط الإعلامية والتواصلية ومشاكل التربية والتعليم والجودة والاعتماد الأكاديمي..الخ...

ولا ريب ان تلك المشكلات الخطيرة التي باتت تهدد جميع سكان  كوكب الأرض هي من اختصاص ومسئولية العلوم الإنسانية والاجتماعية، من هنا تأتي الأهمية الاستثنائية لهذا المؤتمر الدولي الذي كان لجامعة الملك سعود وكلية آدابها الفسيحة شرف المبادرة في تنظيمه وهذا عمل يضاف الى رصيدها وسجلها الأكاديمي المشرف حقاً إذ من المعروف ان جامعة الملك سعود تعد من بين الجامعات العربية القليلة جدا التي احرزت مكانة مرموقة في معايير الجودة وضمان الاعتماد الأكاديمي العالمية ، وقد ادهشني ما شاهدته فيها من جودة البنية التحتية ورحابتها فضلا عن الهيئة التعليمية ومناهج وبرامج الاقسام العلمي ومدخلاتها ومخرجاتها في مختلف المساقات العلمية . انها بذلك تعد نموذج ممثل ويستحق الاحتذاء  لنهج ترسيخ قيم الجودة الأكاديمية وتنميتها الدائمة..
  
تداعت في ذاكرت تلك الخواطر وأنا استمع البارحة لمحاضرة الأستاذ الدكتور، محمد محجوب، استاذ فلسفة العلوم في جامعة بنغازي الليبية العريقة؛ عن فلسفة العلم البيّني في ندوة حلقة الرياض الفلسفية رقم 16 التي نضمتها الجمعية الفلسفة السعودية وأدارها بكفاءة واقتدار الباحث السعودي جعفر الأنصاري. كان تلك اللحظة بالنسبة بالغة الأهمية لانني اعرف السياق كله وربما كان ذلك من بين دوافع حريصي على حضورها والمشاركة بها برغبة وحماسة صادقة. ربما جاءت تلك الندوة المهمة في سياق اهداف المؤتمر الدولي الأول ( العلوم الإنسانية أكاديمياً ومهنياً : رؤى استشرافيّة) أو يمكن عدها ثمرة من ثماره اليانعة. كانت محاضرة آلصديق العزيز محمد محجوب رائعة وفتحت آفاقا واسعة للتأمل والتفكير في المنظور التكاملي للمعرفة العلمية والإنسانية وهي محاضرة تقع على تخوم فلسفة العلوم وسوسيولوجيا المعرفة العلمية. ودعوة صريحة إلى اهمية الآخذ بالمنظور التكاملي للمعرفة الإنسانية. واليكم وجهة نظري.. 

لا تطور ولا تقدم ولا نماء ولا ارتقاء بدون معرفة الطبيعة ومظاهرها وفهم قوانين حركتها والتنبؤ بنتائجها وتلك هي وظيفة العلوم الطبيعية ولا تطور ولا تقدم ولا نماء ولا ارتقاء في التاريخ والحضارة الا بمعرفة حقيقة الكائن الإنساني والمجتمع البشري بوصفهما لحمة التاريخ وسداه؛المعرفة القادرة على فهم حاجات الإنسان ودوافعه ومقومات الحياة الاجتماعية المدنية المستقرة وقوانين التاريخ وحركته والتنبؤ بمساراتها المستقبلية وتلك هي وظيفة العلوم الإنسانية والاجتماعية والفلسفة في قلبها بل هي أمها التي ابدعت اخصب وانضج المفاهيم الأساسية في تاريخ المعرفة الإنسانية( الوجود، الإنسان، العقل، الخير، الشر، العدل ، الحرية، الجمال ..الخ) وذلك منذ البواكير الاولى للفكر الفلسفي الشرقي واليوناني القديمين مرورا باللحظة العربية الإسلامية الخصيبة لحظة الترجمة والتفلسف في المشرق والمغرب العربي وانتهاء بالعصور الحديثة والمعاصرة.. إذ لم تكن الحداثة الغربية في معناها الاوسع إلا مشروعا فلسفيا عقلانيا قرر اعادة تأسيس وبنا المجتمع من جميع جوانبه على أسس علمية عقلانية إنسانية شاملة..

غير أن الانتصارات المذهلة التي حققتها العلوم التجريبية جعلتها في لحظة أوجها تستغني عن أمها الفلسفة والعلوم الإنسانية في منتصف القرن التاسع عشر حينما حلم اوغست كومنت بتأسيس فيزياء أجتماعية على قرار منهج الفيزياء في دراسة الظاهرة الطبيعية وهذا أمر غير ممكنا بسبب اختلاف الظاهرة الاجتماعية وطبيعتها الشديد التعقيد والتركيب. نعم انتصر العلم والتكنولوجيا فظهرت مشكلات جديدة لاسابق للخبرة الإنسانية بها فعادت الدعوة إلى المنظور التكاملي للمعرفة العلمية وذلك بتأكيد البعد السيوسيولوجي للعلم، ونسبية الحقائق العلمية، ومبدأ الكشف، وقوة الخيال والمغامرة، وأسبقية الفروض الحدسية وحيويتها قد أفضى إلى إعادة الاعتبار للعلوم الإنسانية والاجتماعية..

 ويقر بيير بورديو بفضل الأفكار التي طرحها توماس كون، بقوله: إنني أنسب الفضل لتوماس كون، في أهم جزء قدمته فيما يتعلق بمنطق الممارسة والديناميات التي تحتويها. ويقدم توماس كون نظرية في الممارسة العلمية تثير أكثر الأسئلة إشكالية بالنسبة لسوسيولوجيا العلم، والمتعلقة بالتغير، كيف يحدث وما هي آلياته، وما هي الشـروط التي ينشأ فيها العلم الجديد أو النموذج الجديد، وما هي التأثيرات الخارجية المفروضة على المجال العلمي كما أن حجم ونوعية المشكلات الإنسانية والاجتماعية التي أفرزتها المتغيرات التاريخية والحضارية العالمية المتسارعة اليوم تستدعي الحاجة الملحة إلى ردم الهوة الشاسعة بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، والنظر إلى المشكلات ومواجهتها وبحثها بصيغة تكاملية ورؤية عقلانية نقدية..

جائحة فيروس كورونا كوفيد 19 وتداعياتها الإنسانية والاجتماعية ومشكلة سباق التسلح والحروب والأمن والسلام الدوليين، ومشكلات البيئة الأرضية والأوزون، وصدام وحوار الحضارات، ومشاكل الاقتصاد والتجارة والمال والأعمال العابرة للقارات. ومشاكل الفقر والصحة والمرض، ومشكلة التطرف والإرهاب والعنف، ومشاكل الهويات الطائفية والتعددية الثقافية، والأقليات والتمييز والتعصب والاستبعاد الاجتماعي، والهجرة غير الشرعية والاندماج، والمخدرات ومشكل الفساد والبطالة و والحركات الاجتماعية والثورات، وقضايا حقوق الإنسان والمرأة والطفل والشباب، وكل ما يتصل بالحقوق المدنية، ومشاكل التربية والتعليم والجودة والاعتماد الأكاديمي، والمشكلات الأخلاقية للعلم والثورة البيولوجية ؛ كالاستنساخ، وزراعة الأعضاء، ومنع الحمل، ومشاكل الفضاء السيبرنيتي والأقمار الاصطناعية والوسائط الإعلامية والتواصلية الجديدة والآثار الاجتماعية والأخلاقية فضلا عن المشكلات المستعصية التي تفتك بالمجتمعات العربية والإسلامية منذ زمن طويل ومنها: مشكلة الهوية والحروب الطائقية إذ تعيش مجتمعاتنا العربية اليوم حروب طائفية مستعرة في كل مكان وغير ذلك من المشكلات الحيوية الأخرى..

وهذا تزداد الحاجة، إلى المنظور التكاملي للعلوم الطبيعة والإنسانية والاجتماعية اليوم، أكثر من إي وقت مضى وذلك أثر الثورة المنهجية التي شهدها الثلث الأخير من القرن العشرين إذ أحلت النظر السوسيولوجية للعلم محل النظرة الابستمولوجية الصرفة وهذا ما أفضى إلى تغير جذري في النظرة إلى العلم بوصفه صنعة إنسانية وإبداعاً إنسانياً، ومؤسسة سوسيولوجية، وفعالية اجتماعية، ومغامرة تاريخية إلا يمكن تعيين خصائصها بمعزل عن البيئة الفيزيقية والحيوية والجغرافية والسياسية والثقافية الإنسانية العامة وهذا يعني أن مسألة، نمو العلوم وتقدمها, هي مسألة، ليست ابستمولوجية أو مهنية خالصة فحسب، بل مسألة, سوسيولوجيا حضارية ثقافية عامة، مرهونة بسياق مجتمعها المتعين وصحته وقدراته وفرصه وممكناته الواقعية والافتراضية التي من شأنها أن توفر وتؤمن البيئة الحاضنة والراعية والدافعة لنموها وازدهارها أو العكس. ولما كان العلم بجميع أبعاده وعناصره المعرفية النظرية والمنهجية والتطبيقية والتقنية.

 يعد الظاهرة الأبرز في القرن الحادي والعشرين؛ قرن العلم والثورة العلمية بامتياز ، فقد استقطب جلّ اهتمام الفلاسفة والمفكرين والعلماء ودفعهم إلى إعادة التأمل والتفكير فيه بوصفه ظاهرة جديرة بالتفكير والفهم والتفسير وذلك من منظور تكامل المعرفة العلمية. فقد ولى الزمن الذي كان ينظر الناس فيها إلى التخصصات العلمية بوصفها مجالات مستقلة ولا رابط بينها. وكلما زاد تقارب العالم واندماجه كلما زادت الحاجة إلى تقارب العلوم وتكاملها. وهنا يأتي دور الفلسفة بوصفة نظرة كلية إلى لعالم. فمن نحن اليوم؟ وكيف نعيش الحاضر؟ وماذا سنكون غدا؟..

 هذا السؤال المزدوج الأبعاد والمعاني هو سؤال الفلسفة في كل عصر جديد، حيث يتشكل الواقع الإنساني من جديد .فما طبيعة العلاقة بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية؟ وكيف نفهم العلاقة التكاملية بين أنساق المعرفة العلمية في مختلف المجالات الطبيعية والثقافية.إذ لأول مرة في تاريخ المعرفة الإنسانية تتوحد العلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية والتربوية في مواجهة أزمنة العالم الراهن مع جائحة كورونا كوفيد-19 التي مسحت الصفحة. وقد ذهب فيلسوف العلم المعاصر ميشيل بولاني إلى تأكيد الطابع الإنساني العام للمعرفة العلمية،" فصحيح أن العلم الطبيعي يبحث في عالم فيزيقي لا شخصي، إلا أنه ذاته نشاط ذو سمة شخصية، فلا يمكن تتبع نمو المعرفة العلمية إلا كسلسلة من أفعال أشخاص معينين وإنجازاتهم وأحكامهم وكشوفهم وخيالاتهم وحدوسهم، والعلم لا يعمل في فراغ مطلق، بل يفلح أرضاً مهدتها الثقافة السائدة أو تركتها صعيد بلقعاً" كما أكد مارجوليس في كتابه, علم بغير وحدة : إصلاح ذات البين للعلوم الإنسانية والطبيعة "..

أن مشاريع العلم هي بصورة حاسمة إنجازات إنسانية، والصفة الجذرية للعلم بعد كل شيء أنه نشاط إنساني .. لذلك فكل العلوم هي علوم إنسانية من زاوية إنجازها الفعلي، فلا يمكن تعيين خصائصها بمعزل عن ملامح الثقافة الإنسانية والتاريخ الإنساني واللغة الإنسانية والخبرة الإنسانية والاحتياجات والاهتمامات الإنسانية...
----------------------
هامش : الدكتور قاسم عبد عوض المحبشي رئيس سابق لقسم الفلسفة ونائبا لعميد كلية الآداب في جامعة عدن .. ..وهو عضو هيئة التدريس في الاكاديمية العربية الدنماركية..واضطر لمغادرة الوطن بسبب التهديد الإرهابي الذي تعرض له واستهدفه في العاصمة عدن ..