نظرية “الخراب المتعمّد”.. لا تعطوهم شيئًا كي لا يتذكروا أنهم كانوا دولة!...
الناشط الحقوقي أسعد أبو الخطاب
في إحدى الزوايا المتعفنة من جدران هذا الحنوب المختطف، لا تزال هناك أوراق صفراء باهتة تهمس لنا: "هنا كانت دولة".
نعم، كانت هناك دولة الجنوب… لا أسطورة، بل حقيقة أُطفئت عمدًا، لا بفعل تقلبات الزمان، بل بفعل "نظرية الخوف من الضوء".
ساسة الشمال يقولون لا تعطوهم شيئًا… كي لا يتذكروا أنهم كانوا دولة!
الخراب لم يكن صدفة… بل نظرية!
عزيزي القارئ، ما تعيشه اليوم ليس عبثًا ولا ارتجالًا... هناك خطة محكمة بدقة الأذى تقول:
"لا تعطهم شيئًا… كي لا يتذكروا أنهم كانوا شيئًا"!
أجل، الأمر واضح: نزع الذاكرة يبدأ بنزع الخدمات.
الماء؟
فقط للغسيل الإعلامي!
في العاصمة عدن، الماء لم يعد للشرب ولا للطبخ، بل لتغسيل التصريحات الحكومية.
كلما ازداد العطش، خرج مسؤول وهو يبتسم بكل وقاحة:
"نحن نعمل على إصلاح الوضع"!
بينما المواطن الجنوبي لا يجد ما يغسل به وجهه إلا قطرة من كرامته المتبقية، ويكمل يومه كأنه لم يكن له دولة ذات يوم.
الكهرباء؟
ترفٌ سياسي خطير!
الكهرباء في الجنوب ليست خدمة… إنها تهديد وطني!
فعندما تشتغل الكهرباء، تشتغل الذاكرة... تضيء الجدران القديمة، وتنبعث صور الشهداء وخريطة الوطن التي أُخفيت... لهذا بالضبط، تم الحكم على الجنوبي بأن يعيش على ضوء الشموع وحرارة الشمس، كي لا ينشغل بشيء سوى العرق والنجاة اليومية.
الرواتب؟
تُصرف شهريًا… لكن على الورق فقط!
نسمع عن الرواتب، لكننا لا نراها... الجنوب يعيش تجربة روحانية عجيبة: ينتظر راتبه كما ينتظر المعجزة، بينما يبتسم له مسؤول من الشاشة قائلاً: الوحدة بخير!
والموظف؟
يصرف من صبره، ويأكل من عمره.
الوحدة؟
العذر الرسمي لتصفير الجنوب!
"الوحدة" التي نادينا بها يومًا، تحولت إلى أداة جراحية مبتذلة، كل صباح، تُذبح بها خدمات الجنوب، ثم يُقال لنا:
هذه تضحيات من أجل الوطن!
الوحدة في قاموس الخراب:
لا ماء – لا كهرباء – لا مستشفى – لا تعليم – لا وطن – فقط جوع وشعارات وطنية مهترئة على جدران متشققة.
منظومة "قطع الذاكرة": خدمة مجانية!
ليست المشكلة في تجويع الجنوبي فقط، بل في نسف ذاكرته بالكامل:
لا كتب تاريخ، لا مناهج، لا إعلام جنوبي حر، لا أرشيف وطني.
بدلًا من ذلك؟
يصرح أحد سياسي مدفوع الأجر، في إحدى القنوات أو في إحدى الصحف، يخبرنا أن الجنوب لم يكن شيئًا، بل مجرد جغرافيا شاردة تم العثور عليها صدفة في الطريق إلى صنعاء...، وأن الشمال أصل والجنوب فرع!
في الختام: لا، لم ننسَ… ولن ننسى!
سنكتب ولو على ضوء شمعة، سنصرخ حتى وإن صودر المايكروفون، وسنرسم خريطة الجنوب ولو على جدران الظلام… لأن الجنوب كان دولة… وسيعود دولة.
رغم نظرية الخراب، ورغم من ظنّوا أن إطفاء الكهرباء سيطفئ ذاكرتنا أيضًا!
الله أكبر الله أكبر الله أكبر عاش الجنوب حرآ واحداً عزيزاً ابياً كريماً… الله أكبر والعزة لله وحده.
ولا نامت أعين الجبناء!