المخـدرات "الهـروب إلى المجـهول".
تشكل ظاهـرة تعاطي المخدرات بين الشباب واحدة من أخطر التحديات التي تواجه المجتمع اليمني المعاصر، في ظل استمرار النزاع المسلح، وانهيار البنى المؤسسية، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتزايدت معدلات الانجرار نحو التعاطي في أوساط الفئة العمرية الشابة بوصفها الفئة الأكثر هشاشة نفسيًا واجتماعيًا، في ظل غياب الحماية المؤسسية وضعف إنفاذ القانون، مما يجعل هذه الظاهرة لا تمثل فقط تهديدًا على الصحة العامة، وإنما أيضًا خطرًا داهمًا على الأمن المجتمعي والسيادة القانونية.
وفـي بلـد أنهكته الحرب، وتآكلت فيه ملامح الأمل، تتسلل المخدرات لتُشكّل جرحًا جديدًا في جسد اليمن الموجوع؛ لم تعد هذه السموم محصورة في الأحياء المظلمة أو في دوائر الجريمة فحسب، بل أصبحت تسري كعدوى في عروق كثير من الشباب الذين لم يجدوا من هذا العالم سوى القهر، ومن المستقبل سوى السراب.
يعاني شـباب اليمن من واقع معيشٍ خانق، غياب فرص العمل، وتدهور التعليم، وانهيار منظومة الخدمات، وامتداد الصراع السياسي والعسكري.
لهـذا؛
يجد الآلاف من الشباب أنفسهم بلا وجهة، بلا صوت، بلا دور، يتجرعون يوميًا كأس الفقد، ويبحثون عن أي متنفس، أي ملاذ، حتى وإن كان وهمًا قاتلًا.
(هـنا؛ تأتي المخدرات كطوق نجاة زائف، تقدمه شبكات التهريب والترويج على طبق من خيبة).
مـا يزيد الأمر سوءًا، هو سهولة الحصول على بعض أنواع المخدرات، كالحشيش والترامادول، في بيئات معينة، لا سيما في مناطق النزاعات التي غابت فيها الرقابة الأمنية والوعي المجتمعي.
حيـن يتجه الشباب إلى التعاطي، فإنهم لا يسعون إلى التمرد بقدر ما يحاولون النجاة من واقعٍ يعجز عن احتوائهم.
وراء كل شاب مدمـن، قصة من الانكسار، وغصة لم تجد من يسمعها، وفي غياب دور الأسرة، والمدرسة، والدولة، يصبح الجسد الشاب فريسة سهلة لمروّجي الوهم.
وانتشار المخدرات في حقيقة الأمر، لا يمس فقط صحة الفرد، بل يهدد الأمن القومي والاجتماعي؛ فالإدمان يؤدي إلى:
- ارتفاع معدلات الجريمة، خصوصًا السرقات والعنف الأسري.
- تدهور الصحة النفسية والجسدية لدى المتعاطي.
- تفكك العلاقات الأسرية والاجتماعية.
- استغلال الشباب المدمنين من قبل شبكات التهريب والتنظيمات المسلحة.
ولكـي نكون صادقين؛ فلا يمكن معالجة الظاهرة أمنيًا فقط، فالمعركة ضد المخدرات يجب أن تكون شاملة، متعددة المستويات.
ومن أبرز الحلول المقترحة:
1. تعزيز الوعي المجتمعي عبر حملات إعلامية متواصلة، تفضح مخاطر المخدرات وتُبصّر الشباب بالمخارج البديلة.
2. إعادة إحياء دور المؤسسات التعليمية والتربوية، لتكون حاضنة للطاقات لا طاردة لها.
3. إطلاق برامج نفسية واجتماعية لمعالجة المتعاطين، ودمجهم من جديد في المجتمع.
4. تمكين الشباب اقتصاديًا من خلال دعم المشاريع الصغيرة، وبرامج التدريب المهني.
5. تفعيل القوانين الرادعة ضد شبكات التهريب والترويج، وضمان التنسيق بين السلطات الأمنية والنيابية والقضائية.
6. دعم دور الأسرة في التربية والمراقبة والاحتواء، لا سيما في الفئات العمرية الحساسة.
شـباب اليـمن؛ لا يحتاج إلى المزيد من الأحزان، بل إلى من يمنحهم الأمل، من يصغي لصرختهم، ويعيد بناء الجسور بينهم وبين وطنهم.
فالمخـدرات ليست قدرًا، بل نتيجة، ومتى ما صلح الواقع، استقامت النفوس.
علـيه؛
ليكـن الصراع الحقيقي إذًا ضد الجهل، ضد الفقر، ضد الإهمال... لا ضد شبابٍ ضائعين بل يستحقون الحياة.
د. هـاني بن محمد القاسمي
أ. مشارك في القانون الجنائي المعاصر
مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية
عـدن: