ما الذي علينا فعله في الجنوب الآن؟
يمرّ الجنوب بمرحلة مهمة ومفصلية في تاريخه المعاصر، وهي مرحلة استحقاقات سياسية بامتياز بعد نضال طويل ومرير مع قوى الهيمنة والاحتلال الشمالية منذ الانقلاب على الشراكة في دولة الوحدة وشنّ الحرب الظالمة على الجنوب قبل زهاء ثلاثة عقود ونيف.
اليوم، وبعد مراحل نضالية وسياسية صعبة ومعقّدة، وصل الجنوب إلى المرحلة قبل الأخيرة في الطريق نحو استعادة الدولة المستقلة. وما يحدث في حضرموت والمهرة هو عملية التتويج النضالية العسكرية الأخيرة من خلال السيطرة على الأرض والمؤسسات، وما يحدث في الساحات من اعتصامات هو آخر المراحل النضالية السلمية نحو معانقة الاستحقاق السياسي القريب والمضمون.
ما تقوم به دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في حضرموت حاليًا من حوارات ومحاولات للتهدئة هو أمر مهم للغاية، ولا يتصادم مع الإرادة الجنوبية في السير نحو الهدف المنشود، ولا ينبغي أن يثير فينا الزعل تخصيص بعض المواقع لقوات "درع الوطن" في حضرموت والمهرة؛ فهذه قوات جنودها وقادتها جنوبيون، وإن كانت مرتبطة بالمجلس الرئاسي فهو ارتباط مؤقّت، لأن المجلس بقيادة الدكتور رشاد العليمي انتهت مهمته في العاصمة عدن ولم يعد لوجوده أي دواعٍ أو أهمية بعد المتغيرات الأخيرة. وبالتالي، من المتوقع أن تنضم قوات درع الوطن إلى القوات المسلحة الجنوبية حينما يتم إعلان البيان رقم واحد.
خياران أمام القيادة
وما دمنا نتحدث عن مرحلة سياسية جنوبية خالصة وعدم العودة إلى مربع الشراكة مع قوى الشمال، فإنه ينبغي تقديم مقترحات لشكل ومضمون المرحلة المقبلة في الجنوب. ويتمثّل ذلك – في تصوري – في طرح خيارين:
الخيار الأول:
إعلان البيان رقم واحد بتأسيس مرحلة وقيادة انتقالية في الجنوب بإدارة جنوبية خالصة، وتتكون من:
مجلس رئاسي جنوبي،
مجلس عسكري جنوبي،
حكومة شراكة جنوبية وطنية مستقلة.
الهدف من ذلك هو قيادة الجنوب وإعادة ترتيب أوضاعه الإدارية والسياسية والاقتصادية والخدمية خلال مرحلة انتقالية تمتد من عام إلى عامين فقط، وذلك في إطار اليمن، وتهيئة الظروف خلال هذه المرحلة الانتقالية للإعلان الكامل والشامل فيما بعد عن الدولة المستقلة تحت اسم جمهورية الجنوب العربي أو أي تسمية أخرى يوافق عليها الشعب.
الخيار الثاني:
الإعلان المباشر عبر البيان رقم واحد عن فك الارتباط النهائي وميلاد دولة الجنوب العربي المستقلة الفيدرالية، دولة جنوبية جديدة ذات سيادة كاملة على أراضيها كما كان متعارفًا عليه في جنوب اليمن قبل عام 1990م.
ويتم الإعلان عن:
تشكيل مجلس رئاسي جنوبي أو قيادة رئاسية للدولة، مكوّنة من رئيس للجمهورية ونائبين،
تشكيل حكومة شراكة جنوبية وطنية من كافة المجالس والمكونات والأحزاب الجنوبية، مع مراعاة التمثيل الجغرافي.
وتبدأ القيادة الجنوبية – في هذا الخيار – بترتيب الأوضاع الداخلية والخارجية من خلال:
تطبيع الأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية،
التحرك الخارجي للحصول على التأييد والاعتراف الإقليمي والدولي،
وعدم إغفال أهمية التنسيق الخارجي منذ الآن لتحقيق الضمانات المهمة، وهي ليست مسألة صعبة.
في الخيار الأول يبقى الأمل مفتوحًا أمام الإخوة في الشمال إذا أسرعوا بتحرير مناطقهم وترتيب أوضاعهم وتشكيل قيادة موحّدة لبحث أي صيغة من صيغ الشراكة المستقبلية بين الشمال والجنوب بعد المرحلة الانتقالية، أما في الخيار الثاني فلا أمل في أي شراكة مستقبلية.
استحقاقات المرحلة
قد يتساءل البعض: من أين ستأتي القيادة أو الحكومة الجنوبية بالمرتّبات والخدمات وكيف ستعالج أزمة العملة؟
كل هذه أسئلة وجيهة، والإجابة كالتالي:
أولًا – المرتبات:
سيكون هناك بنك مركزي جنوبي مستقل تُورد إليه كافة الإيرادات في المحافظات الجنوبية ومن كافة المنافذ والمؤسسات، مع التأكيد على أن المؤسسات التي كانت تورد إلى حسابات خاصة في البنك الأهلي أو البنوك والشركات المصرفية الخاصة ستعود للتوريد إلى البنك التابع للدولة بقرار من رئيس الدولة أو رئيس الحكومة.
كما سيتم:
إنهاء الإشكاليات السابقة فيما يتعلق بتوريد الموارد المالية،
البدء بمكافحة الفساد عبر الأجهزة الرقابية،
سنّ قوانين جديدة للمساءلة والشفافية.
وسيتم إلغاء الرواتب التي تُصرف كإعاشات أو معونات لمن هم في الخارج من ثروات وأموال الجنوب، وإلغاء صرف مرتبات المسؤولين أو الموظفين بالدولار أو العملات الخارجية، وإيقاف الجبايات، والبدء بتصدير النفط، وتشغيل مصافي عدن، وتنشيط ميناء عدن والموانئ الأخرى، وفتح المجال أمام الاستثمارات الخارجية خاصة في المنطقة الحرة – عدن.
ثانيًا – الخدمات:
من المعروف أن أزمة الكهرباء جزء كبير منها مفتعل ومتعمد، وعند زوال الأسباب، فضلًا عن تشغيل مصافي عدن لإنتاج وقود الكهرباء محليًا، سوف تتحسن الخدمة بشكل ملحوظ.
وستبحث الحكومة عن خيارات بديلة لتطوير قطاع الطاقة بالشراكة مع دول التحالف وغيرها.
ثالثًا – العملة:
الخيار الأفضل هو اعتماد الريال اليمني كحل مؤقّت إلى حين إيجاد عملة جديدة للدولة، سواء بإعادة العمل بالدينار أو غيره. المهم هو إيجاد عملة قوية مدعومة بالموارد وبوضع اقتصادي صلب.
أما ما يتعلق بالأسعار والتعليم والأمن ومكافحة الفساد والتصحيح والإصلاحات في كافة مناحي الحياة، فهي أمور تحتاج فقط إلى قرارات حكومية جادة ومتابعة مستمرة لتظهر النتائج خلال وقت قصير.
الدعم الخارجي
من المتوقع أن يكون هناك دعم خارجي مناسب في المرحلة الأولى يساعد القيادة والحكومة الجنوبية على ترتيب أوضاعها وحلحلة المشاكل والتحديات التي قد تواجهها، فالعالم يعرف أن الجنوب تعرض للاحتلال والظلم والتهميش طوال خمسة وثلاثين عامًا.
وحصوله على وضع مستقل أمر طبيعي واستحقاق نضالي وسياسي مهم سيساهم في تحقيق الأمن الداخلي والإقليمي، وسيجعل الجنوب شريكًا فاعلًا وصادقًا في مكافحة الإرهاب وتحقيق السلام الإقليمي والدولي.
ملاحظة: علينا أن نبدا بخطوات عملية ، وان لاتستمر الاعتصامات في الساحات إلى مالا نهاية ، الكرة في ملعب الجنوب الان .




