زيدٌ الذاري ، وأنا .. أُخُوَّة صافيةٌ نادرة
منذ نعومة أظافرنا، لم يَخِفَّ، تجاه بعضنا دفءُ مشاعرنا، إذ لا يزال هو مثل ما كان تُرباً في ملاعب الطفولة، ولا يزال كذلك في مسارات النضج والرجولة، وسيبقى كذلك قبل الموت إن عشنا قبل الكهولة إن أراد الله تعالى ذلك.
لا التباعد بين لقاءاتنا خلق بُعداً روحياً أو وجدانياً بيننا، ولا التباين في السياسة كان يوماً على حساب ما تشرَّبناه في طفولتينا من أدبٍ وخُلقٍ وكياسة!
نفترق عن بعضنا شهوراً وسنواتٍ وحتى عقوداً من الزمن، لكننا حين نلتقي نشعر كأننا، للحظةٍ واحدةٍ لم نفترق.
لمن لا يعرف المزيد عن علاقتي بزيدٍ، أقول إنه وأسرته كانوا علماءنا وسادتنا، ونحن أسرة (العنسي) الصغيرة في هجرة (الذاري) في (خبان) كنا هِجرتهم، قضاتهم وبوابات علمهم، كما يردد زيد.
والده المغفور له بإذن الله، العلامة (محمد بن يحيى الذاري) كان نِعمَ الوصي على أعمامي لأبي وأخوالي لأمي، والذائد عن حياضنا، وعنصر القوة في ضعفنا.
لمن يتوجس من متانة هذه العلاقة أقول .. ليس بين أسرتينا صلة نسبٍ بيولوجية، بل كيمياء جعلت كلتيهما الأقرب من بعضهما إليهما.
زيدٌ هو إبن شقيقة أبي أحرار اليمن العظيم، الشاعر الثائر (محمد محمود الزبيري) الذي استشهد بعد يومين في معقل أهلنا في (برط) بمحافظة (الجوف) بعد إيواء والدي له في منزلنا في مدينة (ذمار) لساعاتٍ عند مجيئه برفقة صهره والد زيد، متخفياً إليها .. ساعاتٌ كلَّفت والدي وأسرتي البسيطة الكثير من العناء، ولذلك قصةٌ لا مجال لروايتها هنا، وأنا أتحدث عن زيد.
زيدٌ من أسرةٍ لها من الزهد والنظر في التشيع طول باع، وأهلي كان لهم من التضحيات في عقلنة المذهب الزيدي عقولٌ ورؤوسٌ تنأى عن حملها الأجسام، جزَّتها سيوف الإمامة، وتدحرجت في مسالخ الاستبداد والتسلط.
زيدٌ يمثل اليوم، في رأيي المتواضع، (كنترولاً) رشيداً لعقل (الهاشمية السياسية) خصوصاً بعد أن ربطته منذ وقتٍ مبكرٍ ، ببعض بيوتها المهمة في الأردن ولبنان وغيرهما، علاقة حوارٍ وتفاهمٍ بشأن ما يمكن أن يكون عليه شأن (الدولة الوطنية) المأمول.
أحسب أن لا أحد، في اليمن خصوصاً، فطن إلى فطنة زيدٍ، وإلى حكمته وحلمه بوطنٍ عربيٍ واحدٍ متنوعٍ لا متعدد، بعيداً عن الطائفية السياسية التي تعصف اليوم بحال منطقتنا.
رغم محاولة البعض (شيطنة) زيد لمجرد إسمه ولقبه ومذهبه، إلاّ أن عزائي فيه أن حبَّه للناس، كل الناس، لم يفتر، بل زاده هذا حباً واحتراماً وتقديراً من قبل الغالبية من الناس.
٠فصلً من كتابي المقبل عن رموز وأعلام (الهاشمية السياسية) الراشدين.