الاستـقرار قـرار وليـس شـعارًا

 الاستـقرار - ذاك الحلم الذي طال انتظاره، وتغنّت به الشعارات حتى فقدت بريقها - لا يُولد من فراغ، ولا يأتي صدفة، ولا تصنعه خطب الحماس ولا بيانات النصر المؤجـل؛ إنّه قـرار وطنيّ جامـع، تتخذه الإرادات الحيّة قبل أن تنطقه الألسن، وتترجمه الأفعال قبل أن تكتبه الأقلام.

     لـقد أنهكت الشعوب من تكرار نَفْس العبارات التي تُقال في كل موسم سياسي، وملّت من وعود "النصر القريب" الذي لا يأتي إلا على الورق، بينما الواقع يزداد اضطرابًا، وتبقى الأزمات تُستنسخ بأسماء جديدة، وكأننا أمام مشهدٍ يتكرر كل مرة بلغة مختلفة ولكن بذات النتيجة: لا استـقرار، ولا بـناء، ولا وطـن يـنهض.

     الاستـقرار لا يتحقق بالخـطاب، بل بالإرادة التي تضع مصلحة الوطن فوق كل حسابات السلطة والمكاسب؛ هـو أن نكفّ عن استهلاك الأمل في بيانات لا تُغيّر شيئًا في حياة المواطن الذي يعيش على فتات الكهرباء، ويبحث عن شربة ماء، وينتظر راتبًا بات حلمًا مؤجلًا في وطنٍ أنهكته الصراعات.

     مـن أراد النـصر الحقيقي فليعلم أن الانتصار ليس في كسر الخصم ولا في رفع الرايات، بل في تثبيت أركان الدولة، وإعلاء قيمة الإنسان، وتحقيق العدالة التي تزرع الطمأنينة في النفوس؛ أما النصر الذي لا يعقبه استقرار، فليس إلا وهمًا جديدًا يُضاف إلى سجل الوعود التي ذهبت أدراج الرياح.

     الاستـقرار قـرار وطـني شـجاع، يُبنى على المصالحة لا على المغالبة، وعلى الحوار لا على التخوين، وعلى الرؤية لا على الشعارات؛ هـو أن نؤمن بأن الوطن أكبر من الجميع، وأن بناءه مسؤولية جماعية لا يحتكرها حزب ولا تيار ولا جهة.

     يـا أبـناء اليـمن، إن الوطن لا يحتاج منكم إلا أن تُحبّوه بصدق، وتختلفوا برُقِيٍّ، وتتنافسوا في بنائه لا في تمزيقه. 

     فـكل طلقة تُطلق، وكل خصومة تُغذّى، تُؤخِّر فجر الاستقرار الذي نحلم به جميعًا.

     لـقد جرّبنا الحرب حتى شَبِعَت منها الأرض وارْتَوَتْ من دماء أبنائها، وجرّبنا الشعارات حتى صارت بلا معنى، فـهلا جرّبنا القرار؟
     قـرار أن نضع اليمن أولاً، أن نختار السلام على الحرب، والعقل على الغضب، والوطن على الذات.

     عـندها فـقط، سيولد الاستقرار، لا من وعودٍ تُقال، بل من قلوبٍ آمنت أن الوطن لا يُنْقَذُ إلا بأيدي أبنائه.

     ويبقى السـؤال الأعـمق: إلى متى نبـقى حطّابين في غـابة الأوهـام؟

فـليـكن؛
     قـرارنا اليوم هو أن نكون جيل البناء، لا جيل الترهّب؛ عندها، لن ننشد للاستقرار نشيدًا، لأننا سنكون نغـمة حياته في صباح كل يوم جديد.


د. هـاني بن محمد القاسمي
عـدن: 29. أكتوبر. 2025م
.