الصراع الهزيل بين رشاد العليمي وأحمد عوض بن مبارك: انتصار للأنانية على حساب الشعب

في مشهد مأسوي ومخجل يكشف عن هشاشة القيادات السياسية اليمنية ، يتجلى الصراع بين د. رشاد العليمي ود. أحمد عوض بن مبارك كأحد أبرز الأمثلة على تراجع الأداء السياسي في ظل التنافس السطحي على السلطة. 

على أن هذا الصراع لا يعكس سوى حالة من الانهيار السياسي الذي لا يراعي مصلحة الوطن، بقدر ما يتناغم مع تنافس هؤلاء من أجل الحفاظ على مصالحهم الشخصية الضيقة على حساب المصالح الوطنية العليا.

فمنذ بداية الخلاف بين الرجلين، كانت الصورة واضحة: رجلان يحرص كل منهما على تعزيز مكانته السياسية بينما يتهربان من مواجهة أزماتهما الحقيقية.

د. أحمد عوض بن مبارك، الذي يعتبر أحد الأسماء التي تلعب دورا محوريا في المشهد السياسي، لا يتوانى عن تصعيد الأمور بشكل دائم. فهو يحرض ضد رشاد العليمي في كل مناسبة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، مدفوعا برغبة لا تشبع في استبعاد منافسه من الساحة السياسية. 

غير أن ما يثير القلق هنا ليس فقط أسلوب بن مبارك في التصعيد، بل التوقيت المتكرر لفتح النقاش حول تغيير العليمي وإعادة هيكلة المجلس الرئاسي.

وفي الجهة الأخرى، يظهر د. رشاد العليمي بصورة سلبية لا تقل ضررا. يرى أن د بن مبارك يتعمد إعاقته وتشويهه ثم بدلا من التصدي بحزم ووضوح لتصرفات بن مبارك العدائية، يتهرب العليمي من مواجهة هذه الهجمات السياسية الصريحة. 

والواقع إن موقفه الضعيف في التعامل مع تهديدات خصمه يثير تساؤلات حول قدرته على القيادة وحماية موقعه السياسي، بل والأهم من ذلك، مصلحة الشعب الذي من المفترض أن يكون هو الأهم في كل هذه المعادلة.

 في الحقيقة فإن الرجلان يدوران في حلقة مفرغة من التراشق اللفظي والسياسي السخيف، بينما يُبقيان الشعب في الظل بعيدا عن أي فائدة ملموسة من صراعهما. 

فيما كان من المفترض أن يكون هذا الصراع دافعا نحو تحسين الأداء السياسي وإعادة هيكلة المؤسسات بشكل يحقق مصلحة الشعب وتطلعاته. 

لكن ما يحدث الآن هو العكس تماما: د. رشاد العليمي يظهر ضعفه المطبق، ويقف مكتوف اليدين أمام د. بن مبارك، بينما الأخير يواصل تحركاته العدائية التي تضر في النهاية بالاستقرار السياسي أكثر مما تفيد.

والشاهد أن الصراع بين الرجلين يعكس التدهور الذي يعيشه النظام السياسي اليمني حاليا، اذ يصبح الهدف الوحيد هو الحفاظ على النفوذ، في وقت يكون فيه المواطن البسيط هو الضحية.

ففي حين أن القضايا الحقيقية التي يجب أن يتم التركيز عليها، مثل التنمية، إصلاح الاقتصاد، وحل الأزمات الاجتماعية، يتم تجاهلها بالكامل. 

وهو ما يعني أن هذا التشتت السياسي أصبح يشكل عائقا كبيرا أمام تحقيق أي تقدم حقيقي.

بالإضافة إلى ذلك، يحمل تصرف بن مبارك وزميله العليمي إشارات خطيرة عن انعدام التنسيق والعمل المشترك، بل وتفاقم الانقسامات التي تضعف من قدرة البلاد على مواجهة المشاكل التي تواجهها. 

ومن هنا فإن الفشل في تحقيق توافق بينهما يعكس حالة من العجز المؤسسي الذي لا يؤدي سوى إلى المزيد من الإرباك السياسي الذي يعمق من معاناة المواطنين، لنخلص إلى أن الصراع بين رشاد العليمي وأحمد عوض بن مبارك ليس سوى صراع من أجل السلطة، يخلو من أي بعد وطني أو مصالح جماهيرية. 

أو بمعنى أدق فإن هذا النوع من الصراعات السياسية يعكس تراجعا في مستوى القيادة السياسية التي يفترض أن تكون موجهة لخدمة الشعب لا لمنافع الأفراد.

ثم بدلا من التنافس غير المنتج، كان ينبغي على الرجلين أن يعملا على تعزيز التعاون من أجل إعادة بناء الوطن وتقديم الحلول للأزمات التي تواجه الشعب. لكن في الواقع، يظل هذا الصراع مجرد جلبة فارغة تصرف الأنظار عن القضايا الجوهرية التي لا تجد من يلتفت إليها.

وفيما يبدو أن الخلافات المستمرة بين رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، ورئيس الحكومة، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، قد تحولت إلى مسرحية سياسية تثير القلق حول مستقبل اليمن. 

فإن هذه التوترات، التي تتراوح بين صراعات على الصلاحيات وتنافس على النفوذ، تعكس غياب التنسيق والتعاون بين القيادات السياسية، مما ينعكس سلبا على استقرار البلاد وتقدمها.

ومن أبرز مظاهر هذا الصراع، ما كشفته التقارير عن محاولة العليمي اقتسام مبلغ 200 ألف دولار من السفارة البريطانية مع بن مبارك، وهو ما رفضه الأخير، إلا بشروط أبرزها توظيف أقربائه في سفارات امريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والمغرب وتركيا وقطر والسعودية.

على أن هذا التصرف يعكس نزعة شخصية تضع المصالح الفردية فوق المصلحة الوطنية، وتثير تساؤلات حول نزاهة القيادات السياسية في اليمن. 

بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن العليمي سعى إلى إقالة مسؤولين فاسدين مقربين من بن مبارك في قطاع النفط والتخطيط الدولي، مما أدى إلى توترات داخل المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء.

والحال أن هذه الخلافات تعكس صراعا انتهازيا على النفوذ والموارد، فبدلا من التركيز على خدمة الشعب وتحقيق الاستقرار، يبدو أن القيادات السياسية منشغلة بصراعاتها الداخلية ومصالحها، مما يضعف الثقة بين المكونات المختلفة في السلطات اليمنية الآن ويجعل الرجلين هدفان للاقالة من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. بل و الولايات المتحدة الأمريكية.

كما في ظل هذه الخلافات، يبقى الشعب اليمني هو الضحية، إذ تتعطل المشاريع التنموية والخدمية، وتزداد معاناته اليومية، ولذا يبقى من المؤسف أن أعلى القيادات السياسية في اليمن الآن لا تدرك أن مصالحها الشخصية لا يجب أن تتفوق على مصلحة الوطن والشعب ومسألة استعادة الدولة وتحرير صنعاء ، بل للأسف الشديد لا تريد أن تدرك ذلك على الاطلاق.