لم أنم من هول الصدمة ومعناها..!!...
حينما تتمدد ثقافة العنف والفساد والإرهاب ...
( في الماضي، كانت الجريمة، وحيدة متفردة خجلة كالفضيحة فاذا بها صارت اليوم صاحبة الأمر والنهي) ...
لم يعد العنف في مجتمعاتنا العربية والإسلامية مجرّد سلوكٍ طارئ أو حالةً استثنائية يمكن عزلها عن السياق الثقافي والاجتماعي؛ بل تحوّل، بفعل التكرار والتراكم، إلى عادةٍ راسخة، ثم إلى بنية ثقافية متجذّرة تحكم الوعي والسلوك معًا. فالعنف الرمزي الخفي، المتمثّل في العادات والتقاليد والقيم القبلية الجامدة، يتكفّل بكبح الطاقات الإبداعية ووأد المواهب في مهدها، مانعًا أي إمكانٍ لنموّها وازدهارها. وحينما ينجح بعض الأفراد، رغم هذا السياج الخانق، في إظهار أصواتهم النادرة، يتدخّل العنف المؤسسي، الرسمي والأهلي، ليقمعها عبر أدوات القهر المباشر والتهديد الخفي: الاغتيال، التشهير، الإقصاء، والملاحقة فكيف يمكن أن يتغير المجتمع ويتقدم، أو ينفتح على آفاق المستقبل، ما دامت القوى الظلامية هي القابضة على خناقه وتعتبر أي محاولة لخلخلته تهديدًا لوجودها؟ هذا السؤال ليس مجرّد معضلة نظرية، بل هو مأزق وجودي يضع حاضر ومستقبل المجتمعات العربية الراهنة كلّه في مواجهة حقيقة مع أزمتها وممكناتها لتجاوزها إذ إن خطورة العنف لا تكمن فقط في أضراره المباشرة على الأجساد والنفوس وبما يخلفه من جراحات غائرة في القلوب والأذهان ـ بل في قدرته على أن يتحوّل إلى هابيتوس ثقافي بوصفه " مجموعة العادات والتصرفات والتصورات المتأصلة في الشخص نتيجة نشأته الاجتماعية، تربيته، وخبراته. هذه العادات ليست مجرد سلوكيات عابرة، بل هي نمط مستقر يوجّه تصرفات الفرد وفهمه للعالم" بحسب بيير بورديو بمعنى نمط حياة ووعيٍ جمعي. وحينما يتكرّر السلوك يصبح عادة، وحينما تترسّخ العادة تغدو ثقافة، وهنا يكمن الخطر الأكبر: إذ لا يعود العنف مجرّد أداة مؤقتة للسيطرة، بل يصبح جزءًا من هوية الجماعة وشرطًا لوجودها وما نعيشه اليوم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية من موجاتٍ متواصلة من العنف ـ بأشدّ أنماطه قسوةً وهمجيةً ووحشية ـ يمثل الكارثة الأخطر في تاريخنا المعاصر. إنه ليس عنفًا سياسيًا أو أمنيًا فحسب، بل هو عنفٌ ثقافيّ يهدّد كيان الأمة في جذوره. جريمة اغتيال الشهيدة افتهان المشهري في مدينة تعز، على سبيل المثال، ليست مجرد حدثٍ فردي مأساوي، بل هي علامة فارقة على الانزلاق العميق نحو هاوية لم يعرفها تاريخ اليمن القديم أو الحديث: جريمة قتل امرأة في الفضاء العام، في قلب مجتمع طالما تباهى بكرم الضيافة وشرف القبيلة وحماية العرض. كتب خالد سلمان في صفحته المنشور التالي : "إصلاح تعز قدم منذ أيام صورة لطالباته، وأُخرى لطالبات الأحزاب ، واصفاً طالبات جماعته بالفضيلة، والأخريات بالسافرات المارفات عن الدين، غير المحتشمات الداعيات للفتنة والفسوق. كتب خالد سلمان " الإصلاح بالتعبئة وبالإيحاء يوجه البنادق ضد خصومه ممن لايشبهونه.
وصف فتيات بغير المحتشمات هي دعوة للقتل ، وربما ذات الشيء تم مع إفتهان وهي تنظفهم من الوسخ.
الإغتيال زاده جملة ، وصورة يسبقان الرصاص.
وهذا ما يحدث في حلقات التنشئة الدينية المشوهة في تعز.
إرم جملة تكفيرية وستجد الف ابله قاتل" (ينظر، خالد سلمان، فيسبوك )
إنها اللحظة التي ينكشف فيها خواء الخطاب التقليدي عن الهوية والدين والقيم و“المروءة” ليظهر الوجه الحقيق لثقافة القوى الظلامية المهيمنة التي تجاوزت كل الحدود، فلم تبق حرمة لجسدٍ ولا قداسة لحياة حرم الله قتلها.
إن مواجهة ثقافة العنف تتطلّب أولًا تفكيك بنيتها العميقة في الوعي واللغة والقيم، وكشف آلياتها التي تعمل بصمت في اللاوعي الجمعي، قبل أن تتجلّى في الرصاص والسكاكين. فالمعركة الحقيقية ليست مع مظاهر العنف الظاهرة فحسب، بل مع جذوره الراسخة في ثقافةٍ لم تُتح بعد فرصةً للنقد الجذري والتحرّر من أوهام القداسة الزائفة. فمن يحمي المواطنين العزل إذ كانت السلطات المحلية عاجزة عن حماية موظفيها؟...



