متاع الغراب
عشر سنوات والتحالف العربي "يكحّل" عيون الحكومة اليمنية بالدعم السخيّ، لكن يبدو أن هذا الكحل مغشوش، أو أن الحكومة تعاني أصلًا من عمى سياسي مستعصٍ.
ملايين الدولارات، ولربما مليارات تتطاير يمينًا ويسارًا، بل ويسمع عنها هذا الشعب كما يسمع عن الإعلانات التجارية في قناة التعيسة، لكن الكهرباء ما زالت تومض مثل إشارة العبور "طفي لصي"، والريال اليمني يُصارع الغرق بينما كبار اللصوص يستمتعون بالغطس في برك الدولار.
يقولون إن التحالف قدّم الكثير، وهذا صحيح ولا ينكره سوى جاحد، لكنه لم يقدّم شيئًا لنا نحن الشعب، بل قدّمه بأسمائنا لمجموعة من محترفي الاختلاس، وكأن المال كان ثمنًا لولاء هؤلاء النفر، وليس دعمًا لإنقاذ المواطن. لو كان الدعم يُصرف كما يقال، لكنا اليوم نسابق دبي والرياض، لكننا بالكاد نحظى بشوارع صالحة لمرور الحمير، فضلًا عن البشر.
كل ملف فساد تفتحه، تجد فيه ختم التحالف. ليس لأنه هو الفاسد، بل لأنه من باب اللياقة أنه يترك اللصوص يسرقون دون رقابة، بل يمنحهم التمويل ويراقب كيف سيسرقونه بطرق أكثر ابتكارًا وحرفية، ثم إن اللصوص لا يمكنهم الإفلات تمامًا، فالتحالف يُمسكهم من اليد التي تسرق، وذلك لحاجة في نفس يعقوب، وهكذا تستمر العلاقة العاطفية بينهم في إطار "لا غالب ولا مغلوب"، فقط الشعب هو المغلوب على أمره.
بعد كل هذه السنوات، لم يعد هناك مجالٌ للشك، فالمعاناة التي يعيشها المواطن في المناطق المحررة ليست محض صدفة أو سوء إدارة، بل هي "عيب" متعمّد يتحمّله التحالف قبل أي طرف آخر.
كان يمكن لهذه السنوات العشر أن تبني لنا مدنًا حديثة لا تغرق بمياه الصرف الصحي عند أول زخة مطر.، وأقلها أن تعمر ما دمرته حرب 2015، لا أن تتركها هكذا شاهدة على أننا لازلنا ننتظر حربا قادمة لتعيد بناء المدينة من أول السطر إلى آخره.
ورغم كل ذلك، لا يمكننا إنكار فضل التحالف العربي في تحرير أجزاء واسعة من اليمن، فلولاه لما صمدت الجبهات، ولما أُعيد ترتيب بعض المحافظات. ولكننا اليوم لسنا في معركة عسكرية فقط، بل في معركة حياة.
المواطن البسيط لم يعد يكترث بمن سيحكمه اليوم، بل كيف سيحصل على قوت يومه دون أن يقتله الفقر والغلاء، وانقطاع الماء والكهرباء وانعدام الدواء، وتحاصره كل أصناف البلاء والوباء.
أيها التحالف الكريم، نحن لا نطلب المعجزات، فقط مشروعًا واحدًا، لا تُعطوه للّصوص، بل لليمنيين أنفسهم، مشروعًا ينقذهم من هذا الجحيم.
أليس في خزائن دعمكم شيء يُنفق على الشعب، كما يُنفق بسخاء على من يسرقونه؟
يا ويلي ويلاه