متـى يعـود "التـعاون" عـلاجًا لمجتـمع أنهـكته الحـرب؟
يُـقال إن المجتمع الصحي هو المجتمع "المتعاون" (أو المتعاون أفراده) مع بعضه البعض.
فـالصحة الحقيقية لا تقتصر على خلوّ الجسد من المرض، وإنما تشمل أيضًا تماسك النسيج الاجتماعي، ومدى استعداد أفراده للوقوف معًا في مواجهة التحديات.
فـإذا ضعفت روح التعاون والتكافل، "فُقِدَت المناعة المجتمعية"، وأصبح الناس أكثر عرضة للأزمات والاضطرابات.
مـا يعيشه اليمن اليوم خير شاهد على ذلك؛ فقد تسبّبت سنوات الحرب والانقسامات المتواصلة في إنهاك مؤسسات الدولة وإضعاف قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية، وفي ظل هذا الضعف، يُفترض أن يظهر دور المجتمع في" مدّ يد العون لأفراده"، سواء في التعليم أو الصحة أو الأمن الغذائي.
غـير أنّ الواقع المؤلم يكشف عن حالة من الانفصال الاجتماعي، حيث يعيش كثير من الأفراد هاجس النجاة الفردية بدلًا من التضامن الجماعي.
إن اليـمن بحاجـة ماسة اليوم إلى إعادة إحياء مفهوم التعاون، ليس كشعار يُرفع في المناسبات، وإنما كسلوك عملي يُترجم في المدارس، والمستشفيات، والأحياء السكنية؛ فالمجتمع المتماسك هو الذي يستطيع تجاوز الأزمات، بينما المجتمع المتشرذم لا يجني إلا مزيدًا من المعاناة.
ولـعلّ الرسـالة الأهم التي يجب أن ندركها هي أن مسؤولية بناء المجتمع الصحي لا تقع على عاتق الدولة وحدها، ولا على المنظمات أو الهيئات، بل تبدأ من كل فرد يرى نفسه جزءًا من هذا الكيان الكبير.
إن التضامـن ليـس ترفًا اجتماعيًا، بل ضرورة للبقاء؛ فـالتعاون هو العـلاج الحقيقي لمجتمع أنهكته الصراعات، وهو الطريق نحو استعادة الحياة الكريمة والكرامة الإنسانية.
وفـي الخـتام؛
لا بـد مـن توجيه رسـالة واضحة إلى كل من اتكل كثيرًا على دور المنظمات والهيئات، منتظرًا منها أن تكون المنقذ الوحيد؛ إن الانتظار وتبني ثقافة الاتكالية لن يُنجيا أحدًا.
فـالحكمة الأساسـية التي يجب أن ترسخ في ضميرنا جميعًا هي "من لم يُعِن نفسه، فلن يُعانه الآخرون".
فـالمساعدات الخارجية، مهما بلغت سخاؤها، تبقى في جوهرها حلقات مساندة وعونًا مؤقتًا، لا بديلًا عن الإرادة الذاتية، وهي في النهاية "تُقدم في السياق الذي تتحقق فيه أهدافها"، مما قد يكرس التبعية بدلاً من أن يبني الاستقلال.
إن المجتـمع الذي يعتاد مدّ يده باستمرار، يفقد بالتدريج قدرته على أن يرفعها مستقبلاً، ويضيع منه فضيلة المبادرة والعطاء، وهما الركيزتان اللتان تُبنى عليهما كرامة الأمم وحريتها.
وعلـيه،
فـإن النهضة الحقيقية لا بد أن تنبثق من الداخل، تبدأ حين يتحول كل فرد منا من متلق سلبي ينتظر العون، إلى فاعل نشط في نسيج مجتمعه، يساهم ولو بقدر يسير في بنائه - فقط - حينئذ نتمكن معًا من نسج غطاء المناعة المجتمعية الذي يحمينا جميعًا، ونستحق عندها الدعم الذي يقوي مسيرتنا، لا الذي يحل محل إرادتنا.
د. هـاني بن محمد القاسمي
عـدن: 09. سبتمبر. 2025م
.