منطق إعلام "الجحملية"!!

خاضت النخب السياسية والدينية المرتبطة بمركز الشمال صراعاتها ضد الجنوب عبر الشيطنة الإعلامية والفجور اللفظي وانتقاء الكلمات وتحديدا عبر تلك المؤسسات والقنوات التي لا تزال تسبح في فلك مشروع الوحدة "المرحومة"..

فحين سلمت ألوية الجيش الوطني مديرية بيحان للحوثيين علنا نهارا جهارا دون أي تصعيد أو مناوشات.. التزمت قنواتهم وتصدر مواقعهم الإخبارية مصطلحات تواري "البيعة" بأنه "انسحاب تكتيكي" وأخرى تقول بأنه إعادة تموضع.. وتقاير وكلام فضفاض وهمز ولمز جبان.. ثم ينطوي الحدث كما طويت صنعاء.

وما إن اندفعت ألوية العمالقة الجنوبية باتجاه ذات المناطق التي سقطت تغيرت لهجة تلك الوسائل المنحطة بنفس التزليف.. لم يقدم الحدث باعتباره استعادة لأرض أو انتصارا، بل جرى تصويره على أنه تحرك مدفوع بأجندة خارجية وربطوا معركتهم "بالإمارات" حتى الشهداء الجنوبيون لم يمنحوا شرف التسمية بل أُدرجوا تحت وصف "القتلى" هنا تتضح الصورة كاملة لا لبس فيها ولا دهشة.. عداء المراكز والإعلام اليمني للجنوب نهج ونية مسبقة تريد فقط أن يبقى الشمال طاهرا حتى في الخيانة.. ويظهر الجنوب مدنسا حتى وهو يقود مشروع قومي، هذا التناقض هو نتاج عن رؤية سياسية قديمة.. ترى في الجنوب تابعاً لا يجب له أن يتحرك خارج الإشارة ولا يحق له أن ينتصر، إلا إذا منحوه الموافقة، ولا يصرح له أن يقدم مشكلته إلا إذا مرت عبر غرفهم.. ولا يسمح له أن يسمي شهيده.. هذا المنطق الذي تستخدمه معظم المراكز والنخب بل والمؤسسات لتجريد الجنوب من شرعيته الأخلاقية والسياسية، ولشيطنة جناحه العسكري.

الشمال مهما تشرذم وتنازع بين مراكزه وأقطابه، واختلفت أحزابه وطوائفه وقبائله يبقى الجنوب.. فلا لا تجتمع المكونات اليمنية وأدواتها إلا حين يتعلق الأمر بالجنوب تسقط العداوات وتتوحد المفردات والتوصيفات.. المشروع الجنوبي بالنسبة لهم هو التهديد المشترك لكل مشاريعهم المتناقضة ويجب إبقاؤه ضمن حدود السيطرة والتبعية.. فلا غرابة أن ترى مراكز إعلامية متخاصمة طوال الوقت.. لكنها لا تختلف في لهجتها حين تتناول الإنسان الجنوبي ولهذا.. فإن منابرهم مهما اختلفت مشاريعها.. مهمته هو إجهاض أي وعي مجتمعي جنوبي يفكر خارج ما يملى عليه.. ولذلك تحالفت كل تلك المراكز على تشويهه وتحجيمه.. 


اليوم وأكثر من أي وقت مضى.. لا بد أن إعادة بناء الوعي المجتمعي الجنوبي على أسس وطنية  تتستخرج من تاريخ طويل من التهميش ومن ذاكرة حرب اجتياح وفتوى تكفيرية، من ثم قمع المظاهرات السلمية.. ومن محاولات الطمس المستمر للهوية.. الوعي الجنوبي اليوم بحاجة إلى إعادة تمركز حول ذاته.. ليدرك أن المعركة لا تقتصر على مشاريع سياسية وجغرافيا بل على الإنسان نفسه... أن تجرد من تعريفك؛ هذه أداة قمع لا تقل فتكا وتنكيلا عن السلاح. بناء على ذلك فإن الوعي المجتمعي هو من يضع لنفسه المفاهيم التي تليق به.. ويعيد ترتيب الأولويات من واقع حاجته فإنه بذلك يكسر منظومة كاملة من الهيمنة التي بنيت على إنكاره وتنكيله.