إلى خريجي وخريجات كليات الحقوق والشريعة والقانون "من قاعة الدرس إلى بلاط العدالة"


     هـا قـد طويتم آخر صفحات الكتب، وأغلقتم دفاتر الدراسة، وودعتم سنوات التحصيل الجامعي التي لم تكن يسيرةً على الإطلاق.

اليـوم،
     تـقفون على أعتاب مرحلة جديدة، أكثر واقعيةً وتحديًا؛ فمغادرة قاعة الدرس لا تعني نهاية الطريق، بل هي البداية الحقيقية لطريق القانون الطويل.

إليـكم،
     أيـها الخريجون والخريجات، هذه الكلمات الصادقة، عسى أن تكون نبراسًا لكم في أولى خطواتكم في هذا العالم الزاخر بالمرافعات والنصوص والتحديات:

أولًا: لا تتوقفوا عن التعلّم؛ فالقانون متغيرٌ متجددٌ لا يعرف الثبات. ما حصّلتموه في الجامعة ليس نهاية المعرفة، بل هو مفتاح دخول إليها. حافظوا على اطلاعٍ دائم، وواظبوا على قراءة التشريعات المستحدثة، وأحكام المحاكم، والاتفاقيات الدولية، والمقالات القانونية الرصينة.
"فـالقانوني الجـيد لا يتوقف عن التعلم أبدًا".

ثانيًا: لا تستصغروا البدايات المتواضعة؛ فقد تبدؤون في وظيفة بسيطة، أو في مكتب صغير، أو كمساعدين قانونيين تحت إشراف محامٍ خبير. لا تستهينوا بهذه الخطوات، ففيها تُصقل المهارات، وتُبنى الخبرات، ويُستكشف الطريق.
"المـهم أن تبدأوا، ولو بخـطوةٍ صغيرة، فمن سار على الدرب وصل".

ثالثًا: السمعة هي رأس مال المحامي والقانوني؛ فاحرصوا منذ اللحظة الأولى على بناء سمعتكم المهنية، بالصدق والأمانة والانضباط والوفاء بالالتزامات. فـالناس لا يثقون بمن لا يحترم مواعيده، أو يتنصل من مسؤولياته.
"المـوكل لن يختار من لا يحفظ سره، أو يتاجر بقضيته".

رابعًا: ابحثوا عن التوازن بين النص والعدالة؛ فليس كل ما هو قانوني عادلًا بالضرورة، وليس كل ما هو عادلٌ مُنَظَّمًا بالقانون. مهمتكم هي التوفيق بين نص القانون وروحه، واستخدامه لخدمة الناس، لا للتشبث بالشكليات أو التلاعب بالثغرات.
"لـستم تجـار قضايا، بل أمناء على الحقوق".

خامسًا: حددوا مساركم المهني بوضوح؛ فقد تختارون القضاء أو المحاماة أو النيابة أو العمل الأكاديمي أو القانون الدولي أو منظمات المجتمع المدني. أيًّا كان المسار، فالتزموا به ولا تتشتتوا.
"ركـزوا، وتخصصوا، وابدعوا في مجالاتكم، فالتميز لا يتحقق إلا بالصبر والاستمرارية".

سادسًا: لا تفرطوا في مبادئكم مهما كثرت المغريات؛ فستواجهون إغراءات وضغوطًا وعروضًا قد تتعارض مع ضميركم المهني. تذكروا دائمًا أنكم تمثلون القانون أمام الناس، وأن العدالة لا تُشترى، والموقف الأخلاقي لا يُمسّ.
"من يـفرط اليوم في مبدئه، يفرط غدًا في مستقبله".

سابعًا: لا تنسوا مجتمعكم وهموم وطنكم؛ فالقانون ليس مجرد مهنة، بل هو رسالة اجتماعية. أنتم صوت المظلوم، وملاذ الضعيف، وأمل من لا سند له.
"اجـعلوا من علمكم أداة لإحقاق الحق، ونصرة القضايا العادلة، وخدمة مجتمعكم الذي ينتظر منكم الكثير".

كـونوا فـخورين،
     بانتمائكم إلى كلية الحقوق أو الشريعة والقانون، ولا تدعوا الإحباط أو الواقع الصعب يُثنِ من عزمكم.

     فـالمجتمع لا ينهض إلا برجال ونساء القانون، الذين يحملون الضمير الحي، والكلمة الوازنة، والنظرة العادلة.

     مـبارك تخرجكم... وطريقُ عدالةٍ اخترتموه، فأنتم اليوم جنود الحق في ساحات الحياة.


د. هـاني بن محمد القاسمي
أ. مشارك في القانون الجنائي المعاصر
مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية
عـدن: 3. سبتمبر . 2025م
.