أيها الحاكم... أنت الفساد، وأنت من يزرع الجريمة!

عندما تمنح الموظف راتبًا لا يكفيه حتى لشراء أساسيات الحياة، وأنت تعلم أنه بحاجة إلى خمسة أضعافه ليعيش بكرامة، فأنت لا تحكم شعبًا، بل تحكم عليه بالإفساد أو الهلاك!

إنسانٌ كان شريفًا بالأمس، لكنه اليوم مضطرٌ ليقبل الرشوة، ليس لأنه فقد مبادئه، بل لأنك جعلته بين خيارين: إما أن يسرق ليطعم أولاده، أو أن يتركهم للجوع والذل. فأي اختيار تركت له؟ أي نزاهة بقيت له؟

الفساد ليس مجرد خطأ فردي، بل سياسة ممنهجة تخلقها الحكومات الفاشلة، تلك التي تحاصر المواطن في دائرة الحاجة، تحرمه من حقه، ثم تلومه حين يسلك طرقًا لم يكن يريدها. أنت من أغلق الأبواب في وجهه، ثم تصرخ: "لماذا دخل من النافذة؟"

السارق يسرق فردًا، متجرًا، منزلًا، لكن الفاسد الذي صنعته بيديك يسرق وطنًا بأكمله! الفرق بينهما أن السارق يُحاسَب، أما الفاسد فيُكافَأ ويُرقَّى، لأنك أنت من يحتاج إليه ليحكم باسمه وينفذ أوامره.

أيها الحاكم، لا تقل إن شعبك فاسد، بل انظر إلى نفسك، إلى حكومتك، إلى سياساتك، واسأل: من الذي دفعه إلى الفساد؟ من الذي جعل الحاجة أقوى من المبادئ؟ من الذي سحق الكرامة وأجبر الناس على بيع ذممهم؟

الفساد لم ينشأ من فراغ، بل من ظلمٍ متعمَّد، من سرقة ثروات الأمة، من توزيع الفتات على الجياع، ومن تعمُّد إبقاء الشعوب في قاع البؤس حتى يسهل التحكم بها. أنتم لا تديرون البلاد، أنتم تفسدون العباد، وتغرقون الأجيال القادمة في مستنقع لا خروج منه.

وحين ينهار الوطن تحت وطأة فسادكم، ستبحثون عن كبش فداء، ستتهمون الشعب بأنه فاسد، دون أن تعترفوا أنكم أنتم من صنع الفساد، أنتم من نشره، أنتم من جعلتم الحاجة أقوى من النزاهة، والجوع أقوى من الشرف.

لا أحد يولد فاسدًا، لكنكم أفسدتم الجميع!

جلال باشافعي 

ناشط نقابي وسياسي جنوبي