عصا معاوية.. حين تُقطع الشعرة في «سوق الشيخ عثمان»
منذ قرون، قال معاوية بن أبي سفيان: إن بينه وبين الناس شعرة لا يقطعها؛ فإن شدّوها أرخاها، وإن أرخوها شدّها، لكن في أسواق الشيخ عثمان، قرر معاوية آخر أن يقطع تلك الشعرة نهائيًا، ويستبدلها بعصا يلوّح بها في وجه جشعٍ استوطن قلوب التجار منذ ثمان سنوات، فالرجل قرر ألّا يحتفظ بحبل الود، ولا يُهادن، بل أدرك أن الوقت يحتاج إلى عصا أكثر مما يحتاج إلى برود الأعصاب، بغض النظر عن الاختلالات التي تحدث أثناء عمليات التفتيش الميداني، التي يخالجها غضب وحرارة شمس عالية، وشعبوية الموقف في سوق لا تُلجمه إلا القوة لا البرود.
لا أعرف "معاوية" شخصيًا، وليس لي معه مصلحة آنية أو قادمة، لكن ما أراه على الأرض يجبرني على الكتابة عنه، فالرجل يتحرك بقوة مدير عام المديرية وبموجب قانون السلطة المحلية رقم 4 لسنة 2000م وتعديلاته، التي منحته صلاحيات المسؤول الأول في المديرية، لاسيما المواد (89، 84، 82). فالمادة (82) نصت على: (مدير عام المديرية هو رئيس المجلس المحلي للمديرية بحكم منصبه، وهو المسؤول التنفيذي الأول فيها)، والمادة (84): (يتولى مدير عام المديرية، تحت إشراف وتوجيه المحافظ، تنفيذ القوانين والسياسة العامة للدولة في إدارته لشؤون المديرية في كافة المجالات، وتوجيه أجهزتها التنفيذية، وتنمية مواردها، والمحافظة على النظام العام فيها، وله في سبيل ذلك ممارسة المهام والاختصاصات الآتية...)، وكذا المادة (89): (يكون مدير عام المديرية رئيسًا لجميع الموظفين المدنيين العاملين في نطاق المديرية من حيث أدائهم لواجباتهم ومهامهم الوظيفية، وله سلطة اقتراح تعيينهم ونقلهم وترقياتهم، كما يتمتع بحق إحالتهم للتحقيق والتأديب، وتوقيع الجزاءات الإدارية عليهم، وفقًا لأحكام القوانين والأنظمة النافذة). هذا من ناحية مسؤوليته أمام جميع الأجهزة التنفيذية والوقائع المتعلقة في نطاق المديرية.. فقد رأينا الرجل لا ينتظر أن يأتيَ التجار بأنفسهم لتخفيض الأسعار بعد تحسن العملة، ولا يستلطفهم، بل يذهب إليهم في محلاتهم وأسواقهم، فيجتمع بهم تحت سقف السلطة المحلية، ويُلزمهم أمام أعين الجميع، وكاميرات الهواتف كانت شاهدة على ما يحدث.
أما رأينا نحن، فصراحةً وجميعنا يعلم أن التجار – وللأمانة – حريصون كل الحرص على رفع الأسعار لحظة تدهور العملة، حتى لو كان الانخفاض بريال واحد فقط؛ يرفعونها قبل أن يعدّل التاجر في قاعدة بياناته، حتى لا يسبقهم الريال نفسه! وعند تحسن العملة، يتحولون إلى سلحفاة أو كالمنافقين: "وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى"، يحتاجون أيامًا وأسابيع حتى "يتذكروا" تعديل الأسعار، ثم يأتونك ببشارة التخفيض وقدرها لا يتجاوز 5 بالمائة، بعد أن يرصّعوها ببيان فضفاض لا يخلو من الزعم بمراعاة مصلحة المواطن، وتقمّص دور "الحارس الأمين" على هذا البلد، وهؤلاء – كما وصفهم الحديث الشريف – «التجار هم الفجار إلا من اتقى وبر وصدق» وهم من يمثلون الغالبية اليوم، وأيضًا يدخلون في زمرة المطففين الذين ذمهم القرآن بقوله: "ويل للمطففين".. يحرصون على الربح إذا كان في مصلحتهم، ويغضّون الطرف إذا كان في مصلحة الناس! لكن المشهد – حقيقةً – لا يخلو من نور؛ فهناك تجار شرفاء، واكبوا تحسن العملة وخفّضوا الأسعار يومًا بعد آخر، هؤلاء نرفع لهم القبعات احترامًا. أما البقية، فهل يعقل أن تترك لهم السلطة المحلية فسحة المراجعة الذاتية في أيام أو أسابيع، بينما المواطن يكتوي بنار الغلاء؟ العصا، لا التعميمات، هي ما توقظ التاجر وتهيب بجدية الموقف.
أما ما يثير عجبي، فهو أن الناس – نحن – دائمًا نشكو من جشع التجار لسنوات، ونطالب السلطات بمراقبة الأسواق وفرض العقوبات، وحين تتحرك وتباشر دورها، سرعان ما نكشّر أنيابنا حيالها من خلف شاشاتنا، ونكيل لها الانتقادات، فما جدوى الصراخ إذا كنا نخاف من الدواء؟ وكما يقول المثل: "من رام الشفاء صبر على مرّ الدواء".
ختامًا.. إن ما يقوم به معاوية اليوم هو النموذج الذي يجب أن يحتذي به كل مأمور، لا البقاء خلف المكاتب وتحت المكيفات، يصدرون قرارات ورقية ويكتفون بالشعارات الرنانة.. فالميدان وحده المكان الذي يُختبر فيه معدن المسؤول، لا منصات الأخبار ولا بيانات "التشديد" و"الدعوة".
والله من وراء القصد،،
محمد البُقعي
5/8/2025م