اضغاثُ حلمٍ في اليقظة..على وقع تباشير عُمان....



د. عوض محمد يعيش...

في مساءٍ بدا عاديًا في شكله، استثنائيًا في معناه، جلستُ مع أسرتي نتقاسم قلق الوطن وأمله. كانت الأخبار القادمة من عُمان، بما تحمله من حديثٍ عن مفاوضاتٍ وتباشير إفراجٍ وفق مبدأ الكل مقابل الكل، كنسمةٍ خفيفة في ليلٍ يمنيٍّ مثقلٍ بالحزن.
وحين يُفتح باب الأمل، ولو مواربًا، يندفع القلب إلى ما وراء الواقع، ويتقدّم الخيال خطوةً على السياسة.
تحدّثنا – بعفوية الحالمين – عن عودة أخي عادل، وولدي محمد، بعد أكثر من سبع سنواتٍ من الغياب القسري. رأيناهما معنا قبل أن نراهما حقيقة: يصومان الشعبانية ورمضان، نصلّي التراويح جماعة كما كنّا، نجلس في ليالي السمر نتدارس ما تيسّر من كتاب الله، ونستقبل العيد بقلوبٍ لم تُكسر هذه المرّة.
كانت تلك اللحظة كافية لأن تدفعني إلى حلمٍ أكبر…
حلمٍ اعترفتُ فيه، ساخرًا من نفسي، بأنني قررت أن أُعلن عن “غبائي الإرادي”.
تخيّلت – في نشوة التفاؤل – أن كتابة مقالٍ يمكن أن تُلين صخرة الأيديولوجيا، وأن كلماتٍ هادئة قد تقنع جماعةً مسلّحةً بالتخلّي عن فكرة الولاية والاصطفاء، والانتقال إلى فضاء الدولة، والديمقراطية، والتسامح مع المعارضة.
قلت في حلمي: لِمَ لا؟ أليس الإفراج عن الأسرى بدايةً ممكنة لتحرير العقول من أسر الأفكار المغلقة؟
وفي يقظتي الحالمة، تجاهلتُ عمدًا أن الحوثيين لم يبنوا مشروعهم على فكرة التعددية، ولا يرون في الديمقراطية سوى بدعةٍ وافدة، ولا في المعارضة سوى تهديد. تجاهلتُ أنهم، وقد أصبحوا جزءًا من صراعٍ إقليميٍّ أكبر، يرون أنفسهم أوصياء لا شركاء، وحكّامًا لا خاضعين للمساءلة.
لكن الحلم – بطبيعته – لا يعترف بالوقائع الصلبة.
رأيتُهم، في ذلك الحلم، يعيدون التفكير:
ليس لأن مقالًا أقنعهم، بل لأنهم أدركوا أن القوة بلا قبولٍ شعبي عبء، وأن الحكم بلا عدالة هشّ، وأن المعارضة ليست خطرًا، بل صمّام أمان لأي دولة تريد البقاء.
رأيتُهم يدركون أن الديمقراطية ليست نقيضًا للدين، وأنها ليست مؤامرة غربية، بل أداة إنسانية لتنظيم الاختلاف، وحماية الحقوق، ومنع الاستبداد.
ورأيتُهم – في حلمي فقط – يتعاملون مع معارضيهم بكرامة، لا بسجونٍ سرّية، ولا باعتقالاتٍ تعسفية، ولا بمحاكمات ظالمة تصدر من محكمة هم الادرى بعدم دستوريتها وباصدارها لأحكام ظالمة،،  ولا بحرمان الموظفين من رواتبهم، أولئك الذين صمدوا تحت القصف والحصار، وصدقوا الوعود، وما زالوا ينتظرون منهم الوفاء.
وفي امتداد الحلم، تخيّلت أن المعارضة صارت شريكًا في تصحيح المسار، تكشف الفساد بدل أن تُعاقَب، وتقدّم البدائل بدل أن تُخوَّن، وتُسهم في بناء دولةٍ يشعر فيها المواطن أنه إنسان، لا مجرّد تابع.
كان حلمًا، نعم…
لكنه لم يكن عبثيًا تمامًا.
فإذا كانت مفاوضات عُمان قد استطاعت أن تفتح نافذة أملٍ للأسرى، فربما – يومًا ما – تفتح نافذة أوسع لليمن كلّه.
وإذا كان مبدأ الكل مقابل الكل ممكنًا في إطلاق السجناء والمعتقلين يوماً ما. فهل يستحيل أن يكون ممكنًا في السياسة، وفي الحقوق، وفي الوطن؟
أعلم – وأنا أعود من حلمي إلى يقظتي – أن الطريق طويل، وأن الواقع قاسٍ، وأن هذه الدعوة قد تُقابَل بالرفض أو السخرية.
لكن الأوطان لا تُبنى بلا أحلام، ولا تُشفى بلا خيالٍ يسبق الفعل.
وخلاصة هذا الحلم في اليقظة:
أن يدرك من بيدهم السلطة أن الديمقراطية ليست تهديدًا، بل ضرورة وطنية، وأن المعارضة ليست عدوًا، بل ضمانة، وأن الدولة لا تقوم على السلالة ولا على السلاح، بل على المواطنة، والعدل المشفوع بالرحمة والكرامة والمساواة الإنسانية.
وفي الختام، يبقى الشكر لكل من يعمل بصدقٍ لإنجاز هذا المسار الإنساني، الذي قد يعيد الفرح إلى آلاف البيوت، ونسأل الله أن تكون أسرتي – وسائر الأسر اليمنية – من الذين تكتمل فرحتهم قريبًا...
وبين حلمٍ ويقظة…
ما زلنا ننتظر....