الإسلام المختطف: كيف جعل الهاشميون النسب ديناً والسياسة وحياً...


فتحي أبو النصر 

منذ أن أشرق الإسلام، أعلن بوضوح مبدئه الجوهري: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". ولكن يبدو أن بعض البشر قرروا تعديل هذا النص المقدس ليصبح: "إن أكرمكم عند الله أنسبكم"! وهكذا، دخل الإسلام مرحلة الاختطاف السياسي،.

 وبرز الهاشميون كطبقة خاصة ادعت قداسة وراثية، وكأن رسالة محمد عليه السلام لم تكن إلا مشروعا عائليا، أو شركة عائلية ذات امتيازات لا تنتهي...

على انك إذا سألت أي مسلم عادي عن جوهر الإسلام، سيحدثك عن العدل، والتقوى، والمساواة بين البشر. لكن في زاوية أخرى من التاريخ، وجدنا شريحة تصر على أن امتلاكها لسلالة "عيال علي وفاطمة" يمنحها حقا مقدسا في الحكم، والتسلط، وحتى امتلاك رقاب الناس. تخيلوا! وكأن الله، في لحظة ضعف إداري، قرر تسليم إدارة الإسلام إلى أسرة واحدة لا تملك سوى شهادة نسب مشكوك فيها!..

على إن هذه السلالة لم تكتفي بادعاء التفوق الوراثي، بل صنعت من نفسها طبقة دينية سياسية مغلقة. فهم ليسوا مجرد بشر، بل "سادة"، وعليك أيها القطيع أن تنحني أمامهم، وتقبل أقدامهم، وتعترف بأفضليتهم المطلقة عليك لمجرد أنهم خرجوا من رحم معين!..

والواقع أن كان الإسلام في بدايته دينا ثوريا كسر كل الحواجز الطبقية، لكن سرعان ما وجد "السادة" طريقة للالتفاف على هذه المبادئ. بل تحول الدين من رسالة عالمية إلى مؤسسة عائلية، وأصبحت السلطة تُورّث كما تُورث الجِمال والأغنام،  حتى أسوأ من ذلك: تحولت هذه السلالة إلى كهنة مقدسين، يوزعون البركة كما يوزع بائعو الخضار بضاعتهم في الأسواق...

والمفارقة الكبرى؟ أن هؤلاء "السادة" لم يكونوا دائما أكثر الناس تقوى أو علما، بل أحيانا كانوا أكثرهم فسادا وجهلا! لكن لا يهم، فبمجرد أن تحمل لقب "سيد"، فإن الجهل يصبح حكمة، والظلم يصبح عدلا، والاستبداد يصبح "حقا إلهيا"!..

في الحقيقة المرة لقد أفسد هؤلاء الإسلام حين جعلوه أداة سياسية، بدلا من كونه دينا عالميا يخاطب الإنسان كإنسان، وليس كحفيد أو ابن حفيد. أفسدوه حين جعلوا من أسمائهم ماركة تجارية تحظى بحماية سماوية، وحين ابتدعوا طبقية لا تختلف عن تلك التي جاء الإسلام ليحاربها. أفسدوه حين زرعوا فكرة "الحق الإلهي في الحكم"، والتي لم تنتج عبر التاريخ سوى الطغيان والفساد والانحطاط...

فقط تخيلوا لو أن الإسلام بقي كما بدأ، بلا طبقات دينية، بلا تمييز على أساس النسب، بلا احتكار للسلطة باسم "العترة"! كيف كان سيكون العالم الإسلامي؟ ربما كنا سنرى حضارات أكثر ازدهارا، وأنظمة حكم أكثر عدلا، وعلماء لا يخشون نقد من يختبئ خلف لقب "السيد"!..

والمؤكد أن الإسلام لم يكن مشروعا عائليا، ولم يكن دينا وراثيا، ولم يكن وسيلة لصناعة نخبة مقدسة تتحكم بالبشر وتستعبدهم باسم "الدم الشريف"...

من هنا لقد آن الأوان لنزع القداسة عن هؤلاء البشر، وإعادتهم إلى حجمهم الطبيعي كأناس عاديين مثل غيرهم. آن الأوان لنقول لهم: "كفى"، فالدين ليس حكرا على نسبكم، والله لم يمنحكم وكالة حصرية على الإسلام!..

وإذا كان الإسلام هو دين الحق، فليكن كذلك حقا: بلا سادة وعبيد، بلا تمييز عنصري مقدس، وبلا خرافات نسب لا تزيد عن كونها وسيلة نصب واحتيال تمارس منذ أكثر من ألف عام...