رسالة إلى السعودية وعُمان: لم نغزُ صلالة ولا ظفار ولا شرورة ولا الدمام… إنما استعدنا أرضنا، وحمينا جيراننا، وأوقفنا الفساد والتهريب المُضرّ بنا جميعًا، فعلامَ الغضب؟
إن ما يجري في حضرموت والمهرة ليس خلافًا إداريًا ولا أمنيًا عابرًا، بل صراع حقيقي على القرار والسيادة والثروة المنهوبة. ومحاولة تصوير المشهد كاختلاف حول انتشار قوات أو ترتيبات مؤقتة هي تبسيط متعمّد لقضية جوهرية. إن الخلاف الحقيقي يتمحور حول سؤال واحد: من يملك القرار في الجنوب؟ ومن يحدد مصير ثرواته؟ فعندما يُمنع الجنوبي من إدارة أرضه، بينما تُترك محافظة حضرموت رهينة شبكات نفوذ وفساد، فهذه ليست سياسة استقرار بل مصادرة إرادة. والأخطر أن هذا المنع يُمارَس دون تقديم بديل عادل أو رؤية واضحة لمستقبل الجنوب.
القوات المسلحة الجنوبية لم تدخل يومًا أراضي غيرها، ولم تتجاوز حدودها الجغرافية أو السياسية. نحن لم نغزُ صلالة ولا ظفار، ولم نتجه نحو شرورة أو الدمام، ولم نهدد أمن الجوار في أي مرحلة. إن وجود هذه القوات الجنوبية محصور داخل الأرض الجنوبية وبطلب شعبي واضح، نتيجة انهيار أمني وخدمي طويل الأمد. ومع ذلك، يتم التعامل معها من بعض الأشقاء، خصوصًا من عُمان والسعودية، كقوة دخيلة في حضرموت، وكأنها جاءت هذه القوات من خارج التاريخ والجغرافيا أو من زمن وبعدٍّ آخر. إن هذا التناقض يكشف أن الاعتراض ليس أمنيًا حقيقيًا بقدر ما هو موقف سياسي موجَّه ضد أي مشروع جنوبي مستقل.
والحقيقة التي يتم تجاهلها عمدًا هي أن حضرموت تُدار اليوم بنفوذ مراكز قوى شمالية متغلغلة داخل مؤسسات ما تُسمّى بالحكومة الشرعية. هذه المراكز لا تمثل حضرموت ولا الجنوب، بل تمثل شبكات مصالح عائلية وحزبية إخوانجية. وايضا السيطرة على القرار النفطي والمالي المنهوب تتم بعيدًا عن أي رقابة محلية أو شفافية. وعندما يُكشف هذا الفساد، يُتَّهم من يطالب بحقه بتهديد الاستقرار، بينما الواقع أن الفساد المنظم هو الخطر الحقيقي على الأمن والسيادة والاستقرار.
إن أخطر أوجه هذا الفساد يتمثل في تخصيص آبار النفط في حضرموت لعوائل شمالية نافذة، لا بناءً على كفاءة أو استثمار مشروع، بل كمجازاة وهدايا سياسية على دور هذه العوائل في اجتياح الجنوب عام 1994. لقد حُوِّل الجنوب إلى غنيمة باردة طوال ثلاثين عامًا بلا خوف ولا وازع ولا أي اعتبار لحق أهله. مُنحت هذه العوائل الثروة وكأنها ملك خاص، بينما حُرم الشعب الجنوبي منها عمدًا، في إهانة واضحة وإذلال ممنهج لشعب أُريد له أن يبقى تابعًا وفقيرًا.
ولم يقتصر الفساد على النفط، بل تمدد ليشمل كل أشكال التهريب في حضرموت؛ تهريب النفط الخام، والغاز، والذهب، والسلاح، والمخدرات، وكلها تُدار عبر منظومات مترابطة. أحزاب شمالية نافذة، وعوائل فاسدة، ومسؤولون داخل الحكومة الشرعية يشكلون شبكة واحدة تعمل تحت غطاء سياسي ممنهج ومدروس. وأي محاولة لكشف هذه الشبكات تُواجَه بتهمة تهديد “الوحدة” أو “الوطن” أو “الاستقرار”.
الحكومة التي ادّعت الحفاظ على الوطن ارتدت لباس الوحدة الزائفة لتغطية فسادها. تباكت أمام الإعلام على الوحدة، بينما كانت تقسّم آبار النفط في الغرف المغلقة وتحت الطاولات. أثقلت كاهل الوطن بالفساد والعناد والمحسوبية والعنصرية، ثم طالبت الشعب بالصمت. دمّرت ماضي الجنوب، وعبثت بمستقبله، وشرّدت أبناءه في بقاع الأرض، ثم ادّعت الحرص عليه. هم لا يبكون على الوطن كما يزعمون، بل على النفط الذي أخفوه عن الشعب لعقود طويلة.
وليعلم الجميع أن الشعوب لا تقبل بالفساد، لا في الجنوب ولا في عُمان ولا في السعودية. فالشعب العُماني والشعب السعودي لا يسمحان بترسيخ الفساد كأمر واقع. وقد أطلق سمو ولي العهد محمد بن سلمان حملة واسعة لمكافحة الفساد في السعودية، حظيت بتأييد شعبي كبير لأنها استهدفت الفاسدين بلا استثناء، وهو نموذج يُحتذى لا يُحارَب.
ومن هذا المنطلق، فإن دعم الحملة على الفساد داخل ما تُسمّى بالحكومة الشرعية في اليمن واجب أخلاقي وسياسي. فالفساد عابر للحدود، ومحاربته مسؤولية مشتركة، ونحن أشقاء ومصيرنا واحد واستقرارنا واحد. ولا يمكن بناء مستقبل آمن على شبكات نهب وتهريب، ومن يقف مع محاربة الفساد اليوم يقف مع الشعوب ومع المستقبل.
كما أن إيقاف القوات المسلحة الجنوبية لشبكات الفساد والتهريب لا يمثّل تهديدًا لأحد، بل يشكّل حماية مباشرة من الدرجة الأولى لأمن المملكة العربية السعودية قبل أي طرف آخر. فالتهريب، نفطًا وغازًا وذهبًا وسلاحًا، هو الخطر الحقيقي على حدود المنطقة واستقرارها، وهو الوقود الذي يغذّي الفوضى والجريمة العابرة للحدود. وعندما تُغلق هذه المسارات في الجنوب، فإن ذلك يقطع شرايين الخطر التي تستهدف أمن الجوار قبل أن تستهدف الداخل، وهو ما يجعل ما تقوم به القوات الجنوبية مصلحة أمنية مشتركة تستحق الدعم لا الغضب.
لقد تحوّل النفط في حضرموت من ثروة عامة كان يجب ان تدار بعقلانية تعود بالنفع على الشعب إلى مورد خاص يُدار خارج الأطر القانونية. آبار لم تُعلن، وموارد لم تُدرج، وأموال لم تدخل أي ميزانية عامة، بينما يعيش المواطن الجنوبي في حضرموت وعدن وشبوه ويافع وابين والضالع في ظلام دامس. انقطاع كهرباء مزمن، وتدهور خدمات، وغياب أي أثر لثروات الأرض، في وقت يُجبر فيه المواطن على تحمّل كلفة إصلاح الطرق والكهرباء بنفسه. هذا الوضع ليس طارئًا، بل نتيجة سياسة متعمّدة وممنهجة لاستنزاف الشعب الجنوبي وإثقال كاهله المثخن بالجراح أصلًا.
إن حضرموت ليست أرضًا بلا هوية كما يدعي بعض الشماليين ولا بلا تاريخ كما يدّعي أعداء الجنوب من ذوي الأصول الزيدية او الشماليه. ولا يجوز التعامل معها كمساحة فراغ سياسي. لقد حكمتها السلطنة القعيطية كما هو معروف بالتاريخ لأكثر من 150 عامًا ككيان جنوبي مستقل،وذلك يعتبر عصرها الذهبي وكان ليافع بشكل عام حضور أصيل في نسيجها الاجتماعي يمتد لأكثر من 500 عام. فلهذا إن هذا التاريخ يؤكد أن حضرموت جزء أصيل من الجنوب سياسةً وهوية، وتجاهل هذا الإرث هو تجاهل لوعي الناس وليس مجرد اختلاف سياسي، ومن يتجاهل التاريخ يكرّر أخطاءه بثمن أعلى.
ومن باب الحرص لا الخصومة، هذه رسالة صادقة من كل قلبي وقلب كل جنوبي حر صادق إلى سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية، اللتين نكنّ لهما كل احترام وتقدير، بأن الرهان على مراكز قوى فقدت شرعيتها الشعبية لن يصنع استقرارًا دائمًا. فالاستقرار الحقيقي يُبنى عبر شراكة مع إرادة الشعوب الحرّة لا عبر فرض توازنات مع عصابات فاسدة، وأن إيقاف الفساد والتهريب في الجنوب يمثّل حماية مباشرة لأمن المنطقة بأسرها، وإغلاق مسارات السلاح والمخدرات والنفط في السوق السوداء مصلحة مشتركة للجميع.
وهنا يجب التنبيه بوضوح إلى أن غضب الشعب الجنوبي اليوم كبير وعارم في كل ساحات الجنوب والمعتصمين فيها بعشرات الالاف. فبعد افتضاح ملف آبار النفط العشوائية وتوزيعها كغنائم بين عوائل شاركت في اجتياح الجنوب منذ عام 1994 وحتى اليوم، لم يعد الغضب شعورًا عابرًا لديهم بل أصبح حالة عامة. هذا الغضب هو نتاج ثلاثين عامًا من النهب المنهجي والإقصاء وحرمان الناس من أبسط حقوقهم، وإن استمرار الضغوط وتجاهل المطالب المشروعة وحماية الفاسدين بدل محاسبتهم قد يدفع الأمور نحو انفجار شعبي يصعب احتواؤه أو ضبط مساره، ومن الحكمة معالجة الجذور الآن قبل الوصول إلى نقطة لا يريدها أحد.
وفي الختام، أوجّه كلمة شكر وتقدير للشعب الجنوبي، لكل من خرج إلى الساحات ولبّى دعوة الجنوب ووقف صفًا واحدًا بوعي ومسؤولية في وجه منظومات الفساد رغم تكبد مشقة الطريق وضيق الحال. وإن هذا الحراك الشعبي السلمي يؤكد أن القضية قضية شعب جنوبي حر قرر أن يقول كلمته ويُسمِع العالم قراره. كما ندعو بإسم هذا الشعب الجنوبي وباسم كل عشرات الالاف المعتصمين في ساحات الجنوب دعوة صادقه ل كل من يدعم تلك العصابات والمافيا إلى اتخاذ موقف الحياد على أقل تقدير؛ تقديرا لهذا الشعب المحروم لعقود من حقوقه، وترك المواجهة بين تلك العصابات وبين الشعب الجنوبي كي تتم المحاسبة العادلة، فالفساد مرفوض في كل مكان، ونحن وانتم أشقاء، ومصيرنا واحد، ومحاربة الفاسدين مصلحة مشتركة للجميع وسلمتم ودمتم بكل خير.




