الوصابي.. يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
في زمنٍ أصبحت فيه الوزارات أشبه بدكاكين وراثية، يقف معالي الوزير خالد الوصابي، "وزير التعليم العالي والبحث العلمي علمك" متأبطًا ملفًا مليئًا بالمنح، يوزعها كما يوزع الاتهامات، وكأن الأمر مجرد قائمة تسوّق "منحة لك، وعليها تهمة مجانية، ومنحة أخرى لهذا، واتهام لذاك!" بلا دليل، والأجمل أن التوزيع يتمّ بـ"كل شفافية"، كما يطالبنا نحن الصحفيين أن نكون "شفافين"، بينما هو يلف ويدور كما تفعل السحابة السوداء فوق سماء الفساد.
يا معالي الوزير .. منذ متى أصبحت الصحافة خطرًا على المجتمع؟ وهل أصبحت الحقيقة عبوة ناسفة؟ وهل كشف الفساد مؤامرة وابتزاز؟ أم أن الصحافة تزعجكم لأنكم لا تحبون النظر في المرآة؟.
يبدو أن معاليه يحنّ إلى العصور التي كان فيها الوزير معصومًا، والوزارة محصنة، والشعب قطيعٌ لا يقرأ ولا يسأل. ولكن للأسف، نحن في عصر التكنولوجيا، والفضائح تنتشر بسرعة تفوق سرعة توزيع منحكم.
يتهم الوزير بعض المحافظين والقادة الأمنيين في عدن بابتزازه! إذن، لا غرابة أن يتهم الصحفي يعقوب السفياني بالمثل. فهو رجل شهم وكريم، لا يبخل في توزيع التهم كما يوزع المنح بسخاء، لكن المشكلة ليست في الاتهام، بل في الدليل، ولهذا طالبك السفياني وقال لك: أرني دليلك يا معالي الوزير؟ أم أن الدليل بالنسبة لك مجرد تغريدة عابرة أو جلسة دردشة بين "الهوامير"؟ الحقيقة أن من يعيش في مستنقع الفساد يرى الجميع مبتزين، لأن عقله لا يتصور وجود نزيهين بالمطلق، وهذا هو حالك للأسف الشديد.
ولماذا لم يتم نشر تقرير لجنة التحقيق الأكاديمية بشأن الفساد في المنح والبعثات؟ هل هو أيضًا خطر على المجتمع؟ أم أن نشره قد يؤدي إلى "حرق ملفات" لم يتم تنظيفها بعد؟ هذا التقرير ليس سرا عسكريا، ولا وصفة لقنبلة ذرية! إنه تقرير يهم آلاف الطلاب الذين لم يروا من وزارتكم سوى القوائم المغلقة والردود الباردة، فهل ما قاله السفياني يشكل خطراً على إسمك وسمعتك؟
يا معالي الوزير .. إذا كانت وزارتكم نظيفة كما تزعم، فلتنشر كشوفات المنح والمساعدات بالأسماء، ودعونا نرى هذه الشفافية التي تتحدثون عنها، أم أنكم تؤمنون بشفافية الظلام؟
الشفافية الحقيقية لا تحتاج إلى بيانات صحفية رنانة، بل إلى وثائق رسمية تنشر أمام الجميع، عندها فقط يمكنكم أن "تلجموا الكل"، لا بالأمنيات، بل بالأدلة يا وصابي.
الغريب والعجيب في الأمر أن الوزير لا يعلم شيئًا عن الطلاب الأوائل في الجنوب، وهذه لوحدها كارثة، لكنه يعرف كل صغيرة وكبيرة عن طلاب الشمال المتفوقين! فهل الوزارة تعمل وفق "نظام التوزيع الجغرافي غير العادل"؟ أم أن الأوائل في الجنوب كائنات غير مرئية في قاموس التعليم العالي؟ وإذا كانت الوزارة لا تميز بين الطلاب، فلتنشر قائمة أوائل الجمهورية بالكامل، ونحن سنعتذر فورًا إذا وجدنا أننا قد ظلمناكم وافترينا بحقكم.
في النهاية، يبدو أن معالي الوزير يريد أن يظهر دائمًا بمظهر "المظلوم"، لكنه للأسف مظلوم بلسانه لا بأفعاله، فبينما يُوزع المنح والتهم معًا، لا يريد من أحد أن يسأل: "أين الشفافية؟ أين العدالة؟ وأين المستقبل لهؤلاء الشباب؟" لكنه نسي أن الصحافة ليست موظفًا في وزارته، بل هي لسان المجتمع الذي سئم أكاذيب المسؤولين.
لذلك، يا معالي الوزير، قبل أن تتهم الجميع، تأكد أولًا أن مرآتك لا تعكس صورة الفساد الذي تحاول إخفاءه.
والسلام ختام