النـصب والاحـتيال عبر المنصات الإلكترونية "حين يتحول العالم الافتراضي إلى فخ حقيقي" 

     فـي زمـن أصبح الهاتف الذكي فيه نافذتنا اليومية على العالم، صارت المنصات الإلكترونية سوقًا مفتوحة لا تنام، تجد فيها من يبيع ويشتري، ومن يتبادل المعرفة والخدمات، ومن يتعارف ويتواصل؛ لكنها أيضًا، وبلا استئذان، تحولت إلى ساحة يلعب فيها المحتالون لعبتهم المفضلة "النـصب الإلكـتروني".

     قـد تـصلك رسالة تحمل عرضًا مغريًا لربح جائزة، أو وظيفة أحلامك، أو استثمار مضمون الربح، وربما تتلقى مكالمة من شخص يتحدث بلهجة رسمية، يخبرك أنه من البنك ويحتاج لتأكيد بياناتك؛ وفي لحظة ضعف أو ثقة زائدة، تضغط على رابط أو تمنحه رقمك السري… لتكتشف لاحقًا أن حسابك أُفرغ أو بياناتك سُرقت.

قـد يقـول قائل لماذا يحدث هذا؟

     هـناك عـدة أسباب تجعل هذه الجريمة تنتشر بسرعة:

أولها: أن التقنية تتطور أسرع من قدرة القوانين على ملاحقتها، فالمحتال يعرف كيف يستغل الثغرات، ويختفي وراء شاشته في بلد قد يبعد آلاف الكيلومترات عنك. 

ثانيها: أن كثيرًا من الناس، رغم استخدامهم اليومي للتقنيات، لا يعرفون أبسط قواعد الأمان الرقمي، فيسهل إيقاعهم بالفخاخ. 

وثالثها: أن بعض المنصات نفسها لا تبذل الجهد الكافي لحماية مستخدميها، فتترك الباب مواربًا أمام المتلاعبين.

     المـعركة ضد النصـب الإلكـتروني، لا تُكسب بالقوانين وحدها، رغم أننا بحاجة ماسة إلى تشريعات حديثة تجرم هذه الأفعال وتردع مرتكبيها؛ المعركة أيضًا تحتاج إلى وعي، ووعي كبير.

     فـمهم أن تعرف أن الرابط الذي يصلك فجأة قد يكون طُعمًا، وأن المكالمة التي تبدو رسمية قد تكون تمثيلية، وأنه لا يوجد شيء اسمه "ربـح سـهل" في عالم المال.

     أمـا على مستوى المنصات والشركات، فعليها أن تتحمل مسؤوليتها في تأمين بيانات العملاء، وأن تفرض إجراءات تحقق صارمة قبل أي عملية حساسة، وعلى الدول أن تتعاون فيما بينها، لأن المحتال قد يكون في بلد، وضحيته في بلد آخر، والمال يمر عبر شبكة من الدول في ثوانٍ.

الخـلاصة هـنا: 

     العالم الرقـمي جميل ومليء بالفرص، لكنه، مثل أي سوق مزدحم، فيه من يبيع الذهب وفيه من يبيع الوهم؛ والفرق بين الاثنين هو أن تعرف كيف تميز، وألا تمنح ثقتك بسهولة، وأن تجعل وعيك الرقمي حارسًا لا ينام أمام بوابة حياتك الإلكترونية.

د. هـاني بن محمد القاسمي

أ. مشارك في القانون الجنائي المعاصر - جامعة عدن. 

عـدن: 20. أغسطس. 2025م

.