صحافية جنوبية تروي حكايتها. تجربتي في الميدان: كاميرا وعدسة بوجه الخطر

في شوارع عدن المتعبة، حيث تختلط رائحة الغبار بصوت السيارات ووقع الخطى المتسارعة، بدأت رحلتي مع الكاميرا. لم تكن مجرد آلة تصوير، بل كانت سلاحي الوحيد في ميدانٍ لا يرحم، ورسالة أحملها رغم كل شيء.

كنت أدخل الميدان بقلبٍ مليء بالشغف، لكن في كل مرة كنت ألتقط صورة، كنت أضع عيني على العدسة وعيني الأخرى على الواقع… واقع قد ينقلب في لحظة. في بيئة لا ترحم الصحافة ولا تقدّر صوت الحقيقة، أصبحت العدسة وسيلتي لرؤية ما لا يريد البعض أن يُرى.

أول مرة خرجت فيها لتغطية حدث جماهيري، لم يكن لدي سوى بطاقة صحفية، وكاميرا بسيطة، وحلم بأن أكون “الصوت لمن لا صوت له”. كنت فتاة في العشرين، وسط بحرٍ من نظرات الاستغراب، وكلمات الإحباط، وبعض التهديدات المباشرة.

واجهتُ الكثير:

خوف الأهل، قلة الإمكانيات، المواقف الأمنية، صعوبة التنقل، رفض بعض الجهات للتصوير، بل وحتى المضايقات المباشرة أحيانًا. ومع ذلك، كنت أعود في نهاية كل تغطية وأنا أشعر أنني أضفت شيئًا، حتى وإن كانت صورة واحدة تُظهر معاناة أم أو بريق أمل في عيني طفل.

أصعب موقف مرّ بي كان أثناء تصويري لأحد التقارير في منطقة حدثت فيها اشتباكات قبل يومين. كان الشارع هادئًا، لكن التوتر يُقرأ في عيون الناس. لحظتها أدركت أن الكاميرا قد تكون أحيانًا سلاحًا أقوى من الرصاص، وأن الصورة قد تزعج من لا يريد الحقيقة أن تظهر.

لكن رغم كل ذلك، لم أفكر يومًا في التراجع. لأنني رأيت كيف يمكن للصورة أن تصنع تغييرًا، كيف يمكن لكلمة تُنشر أو تقرير يُعرض أن يوصل صوتًا للعالم، صوت من لا يستطيع أن يصرخ.

اليوم، وبعد سنوات من العمل، تعلمت أن الإعلام ليس رفاهية، بل مسؤولية. وأن المرأة الصحفية قادرة على كسر الحواجز، إذا آمنت برسالتها وواصلت رغم كل شيء.

الكاميرا ما زالت في يدي، والعدسة ما زالت مفتوحة، لأن الميدان لا يزال مليئًا بالقصص التي يجب أن تُروى