حـين خرجـت النـساء من صمـت المـنازل

فـي صباحٍ مشـمسٍ أثقلته حرارة انقطاع الكهرباء، خرجت نساء عدن إلى الشوارع لا بحثًا عن الضوء، بل لصناعتة، لا طلبًا للماء، بل لانتزاعه من فم الإهمال، لا من أجل راتب تأخر، بل من أجل كرامة أُهدرت في انتظار الراتب.

     لم يـكن الخروج ترفًا، ولا نزهة احتجاج، بل صرخة صادقة من أفواه أمهات سهرن ليالٍ طويلة على ضوء الشموع، يخفين دموعهن عن أطفالٍ يسألون: "ماما، متى تجي الكهرباء؟". 

     صرخـة من معلمات لم يُسلّمن راتبًا منذ شهور، من عاملات صحّة أنهكتهنّ الأمراض التي لم تجد لها مستشفىً فيه دواء، ولا ماءً في حنفيةٍ ملوثة.

     عـدن، تلك المدينة التي كانت يومًا لؤلؤة البحر وبوابة الجنوب، صارت اليوم تتعثر في عتمة؛ لا كهرباء تكفي لساعة استراحة، لا ماء يكفي لغسل الوجع، لا رواتب تسند الكرامة، وتدهور العملة بات يهدد لقمة الخبز، في بلدٍ أصبح فيه البقاء للأغنى، والنجاة للأقوى، والموت للفقراء بصمت.

     لكـن النـساء خرجـن. خرجن بكل ما في القهر من عنفوان، وكل ما في الانكسار من كبرياء. 

     خرجـن ليقلـن: "يكـفي"، ليذكرن الجميع أن الجوع لا يملك صبر الأمهات، وأن العطش لا يُسكت بنداء الصمت. 

   خرجـن باسـم كل بيت أُطفئت أنواره، وكل يدٍ أُفرغت جيوبها، وكل نفسٍ ضاقت بالحال وضاقت بأهله.

     اليوم؛ النساء في عدن لا يرفعن شعارات فقط، بل يرفعن قضية مدينة بأكملها، قضية حياة. 

     إن خروجهن يا سادة؛ ليس تهـديدًا لأحد، بل رجـاءٌ لكل مسؤول ما زال فيه شيء من ضمير، أن يستيقظ، أن ينظر في عيون الأمهات قبل أن ينظر في التقارير والموازنات.

     فالـمرأة التي خرجت اليوم، ستلد غدًا مستقبلًا مختلفًا، إن صغُر في عيون الساسة، لكنه سيكبر في قلوب الشعوب.

أ. مشارك د. هـاني بن محمد القاسمي

مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية

عـدن: 10.مايو . 2025م