أهمية تحرير محافظة الحديدة قبل أي محافظة أخرى “الأسباب والدوافع”...

أهمية تحرير محافظة الحديدة قبل أي محافظة أخرى "الأسباب والدوافع"
تمثل محافظة الحديدة أهمية كبيرة من عدة جوانب عسكرية وسياسية واقتصادية كونها الجزء الأهم في المعركة، وتعتبر ذات أولوية كبيرة لكل من الشرعية والتحالف العربي المساند لها من جهة، وللمليشيات الإنقلابية الحوثية وإيران من جهة أخرى.

وقد أدركت المليشيات منذ بداية انقلابها في 21 سبتمبر 2014 أهمية محافظة الحديدة فسيطرت عليها في 14 أكتوبر 2014، أي بعد انقلابها بثلاثة أسابيع فقط، فتمركزت وعززت وجودها فيها وتمسكت المليشيات بها بقوة لإدراكها بما تمثله من أهمية وأن انقلابهم لن ينجح ويستمر مالم تكن الحديدة تحت قبضتها، فمحافظة الحديدة التهامية بما تمتلكه من عوامل ديموغرافية واقتصادية وعسكرية، كانت أحد أهم أسباب استمرار الانقلاب وإطالة أمد الحرب برغم أنه لا توجد حاضنة شعبية للحوثة فيها، ولا قبول لمنهجهم في مناطق تمثل ثقلا للشافعية السنية.

وتسعى الشرعية والتحالف العربي التي تشرف على استعادة وتحرير الساحل منذ يناير العام 2017م في عملية الرمح الذهبي التي انطلقت من ساحل خليج عدن لتحرير المناطق التي تقع على البحرين العربي والأحمر واستطاعت تحرير جميع المناطق الساحلية ووصلت باب المندب الذي كان الانقلابيون يهددون من خلاله حركة الملاحة الدولية، وتواصلت عملية الرمح الذهبي لتبدأ عملية تحرير المناطق الواقعة على البحر الأحمر والتي سميت ب (الساحل الغربي)، فتم تحرير مديرية المخاء وميناءها، وباقي مديريات محافظة تعز الساحلية، ثم تحرير أول مديرية من محافظة الحديدة وهي مديرية الخوخة الساحلية في 7ديسمبر 2017م، التي يوجد بها ميناء صيد كان يستغله الانقلابيون في التهريب عبر قوارب الصيد، واستماتت المليشيات الحوثية لاستعادتها وفشلت، وأصبحت فيما بعد عاصمة مؤقتة لمحافظة الحديدة، وكان لتحرير الخوخة أثر كبير على القوات التهامية وعلى المواطنين في المحافظة واليمن عامة.

وفي بداية عام 2018 قوات العمالقة الجنوبية، والألوية التهامية – قبل تشكيل القوات المشتركة-، تحت قيادة التحالف العربي من تحرير عدد من المديريات جنوب المحافظة وهي حيس والتحيتا والدريهمي، وأجزاء من بيت الفقيه، حتى الوصول إلى أحياء مدينة الحديدة من الجهة الشرقية والجنوبية والشرقية الشمالية، خلال فترة وجيزة. وكادت حينها أن تحرر مركز المحافظة بالكامل في وقت قياسي، وتحرير عدد من المديريات الأخرى مثل زبيد وبيت الفقيه لولا توقيفها بسبب اتفاقية ستوكهولم المشؤومة.

وبالتالي فقد فقدت الميليشيات كل المنافذ البحرية من عدن إلى مدخل مدينة الحديدة من الجهة الجنوبية للمحافظة، ومن الشمال ميدي، ومع ذلك ظلت الموانئ الكبيرة والمهمة وهي ميناء الحديدة (المدينة) والصليف وراس عيسى النفطي تحت سيطرة المليشيات، وما تبقى شمالا من مرافئ صغيرة على ساحل البحر الأحمر شمال الحديدة في شواطئ مديريات اللحية وكمران والمنيرة.

وتعتبر معركة الحديدة بالنسبة للميليشيات الحوثية معركة كسر العظم، معركة الحياة، معركة البقاء، معركة الوجود، معركة مصير، وبالتالي فإنها تكتسب أهمية خاصة واستراتيجية تميزها عن باقي المعارك في كل الجبهات وإن كان لكل جبهة أهمية وخصوصية تميزها إلا أن معركة تحرير الساحل التهامي تختلف عن غيرها فتهامة وخاصة الحديدة، تعتبر الشريان الرئيس للانقلاب الذي يمده بالحياة، وبمجرد قطع هذا الشريان سوف يتهاوى الانقلاب وينتهي، لذلك سنجد بأن الحوثة يستميتون على الحديدة، ومتمسكون بها أكثر من أي محافظة أخرى، وتصريحاتهم المتكررة شاهدة على ذلك، والتي يؤكدون فيها بأن الحديدة بالنسبة لهم (حياة أو موت)، وكذلك ما ذكره نائب وزير خارجية إيران حينها الذي طالب المليشيات الحوثية بالتمسك بالحديدة مهما كلف الأمر.

الأسباب والدوافع:
تمثل محافظة الحديدة أهمية غير عادية سواء للمليشيات الحوثية التي تتمسك بها بكل قوتها وتعتبرها أهم منطقة لتحديد مصيرها واستمرارها مسيطرة على البلاد، وكذلك تمثل أهمية للشرعية التي لم تول عملية تحرير الحديدة اهتماما كبيرا، وأهدرت معظم جهدها وقواتها وإمكاناتها في تحرير مناطق وعرة، لا تمثل أهمية مقارنة بالحديدة، ولو أدركت الشرعية والتحالف العربي ذلك من البداية لكانت وجهت كل ثقلها لتحريرها قبل أي منطقة أخرى، وقضت على المليشيات وأنهت انقلابها منذ انطلاق عملية التحرير في مارس 2015.

وأوردت عددا من الأسباب والدوافع والمبررات (العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية) التي قد تكون وراء أهمية الحديدة ومنها ما يأتي:

أولا: تمثل محافظة الحديدة وخاصة المناطق التي على تقع على ساحل البحر الأحمر الممتد من الحيمة في مديرة اللحية جنوب المحافظة إلى مديرية اللحية ومديرية ميدي شمالا مركز المحافظة مدينة الحديدة المنفذ الوحيد المتبقي لهم على العالم وهو ميناء الحديدة الرئيس في مدينة الحديدة مركز المحافظة وميناء الصليف الذي يبعد عنه ب 100كم من الجهة الشمالية الغربية، وميناء راس عيسى النفطي الواقع على خط الصليف الحديدة، وبفقد هذه الموانئ يصبح الانقلابيون معزولون عن العالم تماما، ويكونون في دائرة داخلية مغلقة.

ثانيا: ميناء الحديدة يمثل ورقة ضغط بيد الانقلابيين في أي مفاوضات بينهم وبين الشرعية باعتباره ثاني أهم ميناء بعد ميناء عدن، وكونه يطل على طرق بحرية عالمية تمر بالقرب منه ومنها يقومون بتهديد الملاحة الدولية، وقد تابعنا وسمعنا تصريحات نائب وزير الخارجية الإيرانية التي اظهر فيها تخوفه من فقد الحوثة لميناء الحديدة وقوله بأن الميناء ورقة ضغط في المفاوضات ويجب التمسك به.

ثالثا: المدخل الوحيد لاستيراد المشتقات النفطية والمهربة من إيران لدعم المليشيات الحوثية.
رابعا: يعتبر الساحل عموما وميناء الحديدة والصليف خصوصا أهم مدخل لتهريب الأسلحة والتزود بها، وكذلك الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية التي تنطلق وتهدد المدن السعودية، والملاحة البحرية، حيث تدخل مفككة عبر هذا الميناء ليتم تركيبها بعد ذلك في ورش عسكرية، والمواد الكيميائية التي يستخدمونها في صناعة المتفجرات والألغام والعبوات الناسفة.

خامسا: من أهم أسباب تمسك الميليشيات بمحافظة الحديدة كونها تعتبر من أهم موارد خزينة الدولة كونها أهم محافظة إيراديه وبالتالي تعتبر أهم مصادر الدخل الذي من خلاله يمولون عملياتهم العسكرية ومن تلك المصادر ما يأتي:

– فرع شركة النفط والذي سيطرو على إيراداته كاملا لصالح تمويل الجبهات.
– فوارق بيع المشتقات النفطية على المواطنين التي تصل لمليارات الريالات شهريا.
– دخل جمارك الميناء التي تصل لأكثر من مائة وأربعون مليار ريال سنويا.
– دخل الضرائب على كل السلع والمواد والعقارات وغيرها.
– يوجد في الحديدة معظم المصانع والشركات والمؤسسات وأكبر البيوت التجارية التي يفرض عليهم الحوثة ما يسمى بالمجهود الحربي والخمس والزكاة غير الإتاوات ورسوم الحماية.
– استغلال أراضي تهامة وبيعها والمتاجرة بها.
– الرسوم التي تفرض على البواخر والناقلات البحرية، والمركبات الثقيلة التي تنقل البضائع بين المحافظات.
– ما يسلبوه من المواطنين أو يفرضوه عليهم كجباية باسم المجهود الحربي، وخاصة المزارعين.
– الإيرادات المالية الكبيرة لعدد من المكاتب والمصالح الحكومية الإيرادية مثل الاتصالات والنقل والمنشآت السياحية كالفنادق والمطاعم والمتنزهات.. الخ.
– العائدات الزكوية خاصة وأن المحافظة تجارية وصناعية وزراعية وذات تعداد سكاني كبير.

سادسا: يهتم الحوثه الإرهابيون بمحافظة الحديدة ليتمكنوا من السيطرة والتحكم في طرق الملاحة البحرية الدولية وتهديد الملاحة الدولية كوسيلة ضغط على العالم، كما فعلت خلال العامين الماضيين بحجة الدفاع عن غزة.

سابعا: تعتبر موانئ وساحل الحديدة معبر دخول وخروج للخبراء الإيرانيين واللبنانيين، وتنقل قياداتهم من وإلى بلادنا.

ثامنا: توجد في محافظة الحديدة منشآت عسكرية هامة منها:

– قيادة المحور والمنطقة العسكرية الغربية.
– الطيران والدفاع الجوي.
– الدفاع الساحلي.
– القيادة البحرية.
– القاعدة البحرية.
– الكلية البحرية.
– معسكرات الحرس في باجل وك 16 مدخل مدينة الحديدة.
– معسكرات الأمن المركزي والنجدة.
– عدد من المعسكرات المهمة التي كانت تضم ما يقارب عشرون لواء عسكريا.

تاسعا: جغرافيا ترتبط محافظة الحديدة بعدد سبع محافظات مجاورة؛ وبالتالي ستكون الحديدة نقطة انطلاق لتحرير محافظات صنعاء، ريمة، ذمار شرقا وحجة، المحويت شمالا وذمار، إب وتعز جنوبا، وستكون الحديدة حلقة وصل بين قوات الشرعية في جبهات المعارك الدائرة فيما تبقى من مناطق شمال وغرب تعز.

عاشرا: سيمكن تحرير الحديدة من التحام قوات المنطقة الخامسة القادمة من ميدي وعبس شمال الحديدة جبهة واحدة مع القوات القادمة من جبهة جنوب الحديدة، وستكون جبهة أقوى لاستكمال عملية التحرير، وستمثل معها نقطة انطلاق نحو المحافظات الداخلية.

إحدى عشر: الحديدة مدخل وصول المساعدات الإنسانية الإغاثية الدولية الى المواطنين والتي تنهب من الانقلابيين ويبيعونها للتجار.

اثنا عشر: يوجد في الحديدة أهم كابلين بحريين للألياف الضوئية للاتصالات اليمنية وبالتالي فإن تحرير الحديدة يعني فقدانها التحكم في مصدر الاتصالات لباقي المحافظات.

ثلاثة عشر: تولي الميليشيات محافظة الحديدة اهتماما كبيرا من الجانب المذهبي العقائدي لتشييع المجتمع وكسب قاعدة شيعية كبيرة فيها كونها من أكبر المناطق السنية التي تمثل خطرا مذهبيا على الميليشيات يحد من تحقيق أهدافها وأهداف دولة إيران المجوسية في نشر المذهب الشيعي الاثني عشري الرافضي.

أربعة عشر: التنوع الجغرافي للمحافظة الذي يمنحها أهمية عسكرية خاصة ما بين الساحل البحري والمرتفعات الجبلية، حيث تقع اثنتى عشر مديرية على الساحل وهي مديريات (الحوك، الحالي، الميناء، الضحي، المنيرة، الصليف، كمران، الزهرة، اللحية، الدريهمي، التحيتا، الخوخة) وتسع مديريات سهلية داخلية هي مديريات (بيت الفقيه، زبيد، الجراحي، حيس، المنصورية، الزيدية، المراوعة، القناوص، المغلاف)، وعدد ست مديريات بها مرتفعات جبلية وتحد المحافظة من أطرافها الشرقية والجنوبية الشرقية والجنوبية وهي مديريات (باجل، الحجيلة، جبل راس، برع، السخنة).

ومن خلال ما سبق ذكره من أسباب ودوافع ومبررات فإن تحرير محافظة الحديدة يعتبر أولية أمام الشرعية والقوات المشتركة والتحالف العربي...

-----------------

** امين عام حزب البعث العربي الاشتراكي- اليمن..
نائب رئيس مركز تهامة للدراسات الاستراتيجية..