تهامة بين والوعي وعواصف التحولات وسقوط النخب التقليدية من التبعية الى الانتزاع . ..

✍️???? : عبدالمجيد زبح 


ثمة شيء يتكون في الصمت لا يعلن لا يدون ولا يظهر في نشرات الاحزاب الهضبوية لكنه يتحرك بثقة يراكم نفسه خارج الضوء المصنوع ويبني معادلته الخاصة بعيدا عن توجيه المركز او هندسة النخب انه الوعي التهامي الجديد وعي لا يتشكل في الندوات ولا في الخطابات والاستحضار السياسي بل في تفاصيل القهر وعبر جدران الاقصاء الذي دام عقودا . 

فتهامة التي كانت تعامل بوصفها هامشا قابلا للتطويع تعيد الان وببطئ كتابة موقعها السياسي لا بلغة المطالب بل بمنطق الانتزاع ما يحدث ليس تململا تهاميا بل ارتجاجا في هندسة النظام البنوي  برمته حيث يعاد تعريف من يمثل من ومن يمتلك شرعية التحدث باسم من .

وتهامة لا تعود لتطالب بموقع بل لتفضح بنية تاريخية من الاقصاء لم تكن الضحية فقط لسلطة مركزية ذات طابع قهري بل لشبكة من النخب التي ارتضت ان تتحول الى ادوات ميدانية لوظائف مرسومة سلفا من الهضبة السياسية - الديني المؤدلج والقبيلي المتسلط وهذه النخب سقطت بصمت لا لانها خسرت دعم احد بل لانها فقدت رابطها الطبيعي مع الشارع التهامي حين قررت ان تكون ممثلا لطرف اخر غير ناسها . 

لكن سقوط النخب لم يترك فراغا في الزوايا التي تجاهلها الجميع ففي فترة الحرب وتحت نيران الجبهات تشكلت نواة صلبة من القيادات الشبابية لا ترفع شعارات جاهزة ولا تكرر لغات ممجوجة بل تعيد هندسة اللحظة عبر معركة مركبة معركة تفكيك الوهم السياسي داخل تهامة ومعركة كشف ادوات المركز الذي لم يكن يرى فيها سوى مورد قابل للادارة . 

فالمعاناة الطويلة التي خيمت على البلاد وفي زمن انهار فيه كل ما كان يبدو صلبا تعيد تهامة انتاج نفسها ليس عبر نخبة تقليدية انهكتها التبعية ولا من خلال مشاريع مستعارة من مراكز القوة بل من وعي يتنامى بصمت وجيل تشكل تحت النار والخذلان لكنه خرج اكثر اتزانا واكثر ادراكا لما يجب فعله . 

وهذا الجيل لا ينتظر خلاصا خارجيا ولا يعلق اماله على تسويات مجتزأة بل يفتح مسارا جديدا يتكئ على ادراك عميق لطبيعة المعركة مع الهضبة ومع من ارتضى ان يكون تابعا لها من ابناء الهامش ولم يعد الصراع مجرد مظلومية سياسية بل تحول الى معركة وعي ومعركة تمثيل ومعركة وجود وتهامة لم تعد تنتظر ان يعترف بها بل قررت ان تفرض نفسها في مركز المعادلة

فالهضبة بخطابها وبنيتها وادواتها كانت تعتقد ان الزمن يعمل لصالحها تظن انها ما زالت تمسك بالخيوط وتتحكم بالايقاع لكن ما لم تفهمه ان التهامي لا يخضعه الخطاب بل يربكه لا ينصاع بل يرصد لا يصمت لانه استدرج بل لانه يعد لانفجار الوعي . 

في العمق الصامت من المشهد تتحرك تهامة بثبات مغاير لما اعتادته السلطة ولم تتوقعه منظومة الهيمنة القديمة فما يجري لا يشبه التحرك العبثي ولا يصدر عن فراغ بل هو ارتداد تاريخي واع نحو تصحيح المعادلة التي ظلت مقلوبة لعقود . 

تهامة لم تكن يوما مساحة غائبة بل جرى تغييبها بفعل منهجي وادوات مقصودة ادوات صنعتها الهضبة وجهزتها بعناية لتادية وظيفة واحدة تاطير التهامي داخل دور هامشي لا يقرر ولا يؤثر ولا يعبر عن ذاته الا عبر من يتم اختياره بدقة من خارج ارادته وداخل هندسة الاقصاء

لكن شيئا ما يتغير بهدوء ناعم في ظاهر الامر عميق في جوهره فهناك نخبة شابة تشكل وعيها خارج مناخ الترويض لا تبحث عن ادوار تمنح لها بل تفرض حضورها كضرورة نابعة من عمق الوجدان الشعبي التهامي ولا تحتاج وسيطا ولا تتسول موقعا في خريطة قررتها الهضبة سلفا

هذه النخبة لا تتحرك برد فعل بل تمارس فعل التاسيس بصبر وصمت واصرار تعرف انها لا تواجه فقط سلطة غاشمة بل تواجه تركيبة مركبة من التواطؤ القديم والاداء الوظيفي الذي مثله من تلبس التهامية اسما وانسلخ عنها مضمونا هؤلاء الذين عاشوا لعقود في ظل الهضبة لا يملكون اليوم الا الخطابة اما شرعيتهم فقد انتهت بصمت

وتهامة لم تعد قابلة للادارة عن بعد ولم تعد قابلة لاعادة تدوير النخب التقليدية بواجهات جديدة النخبة الشابة لا تبني خطابها على انفعال بل على ادراك عميق ببنية التهميش وكيف جرى تمريره عبر اتفاقات خفية ولجان سياسية تابعة للهضبة ومقولات وطنية زائفة لم تنتج الا الاقصاء المؤسسي

التهامي اليوم ليس غاضبا فقط بل مدركا تماما كيف تصاغ المعادلات ومن يصوغها ولمصلحة من ولم يعد يقبل ان يتحدث باسمه من كان جزءا من الصفقة ولم يعد يسمح ان يتم اختزاله في بيانات تخرج من غرف التوجيه بل بات حاضرا بذاته صوته صوته وقراره قراره

وكل من ظن ان تهامة يمكن تدجينها اخطا الحساب تهامة تعرف الهضبة اكثر مما تعرف الهضبة نفسها تعرف مستويات السيطرة والياتها الادارية والرمزية تعرف كيف تصنع الواجهات وكيف تدار الجغرافيا بالعصا السياسية والمال السياسي لكنها ايضا تعرف ان هذه الادوات لم تعد كافية امام جيل لا يشبه السابقين لا في صبره ولا في استعداده للتواطؤ

تهامة لا تخوض معركة جغرافيا بل معركة وعي معركة وجود في وطن تم احتكار مستقبله باسم الوطنية وتقاسم قراره باسم الشراكة بينما تم اقصاء التهامي من كل شيء من القرار من الثروة من التمثيل وحتى من ذاكرة الدولة والهوية . 

ولانها تعرف حجم ما جرى قررت ان تعيد التاسيس لا ان تطالب بالدمج لا تبحث عن وظيفة في منظومة عاجزة بل تريد اعادة صياغة العلاقة مع الدولة بصيغة جديدة صيغة تؤمن بالكرامة لا بالتبعية بالحقوق لا بالترضيات بالتمثيل لا بالتصوير

السلطة الهضبوية التي ما زالت تعتقد ان كل شيء تحت السيطرة ستكتشف متاخرة انها كانت تتحرك داخل وهم متقن وان التهامي لم يكن خارج المشهد بل كان يبني ذاته خارج كاميرات الوهم ويعد لمعركة لم تعد مؤجلة ولا قابلة للتاجيل

وما يجري اليوم ليس انفجارا انيا بل مسار واع طويل يتقدم بلا ضجيج لكنه يتوسع يتجذر يتحول الى حالة سياسية كاملة تملك خطابها وشرعيتها ولا تنتظر اذنا من احد لتعلن نفسها ركنا اصيلا في معادلة القوة القادمة

التهامي لم يوجد ليخضع ولم يولد ليؤدي دورا مكتوبا مسبقا لم يتسلط على احد لكنه لن يسمح بعد الان ان يدار من احد ولا ان يستعمل لتجميل صورة مركز لم يعترف به يوما . 

الزمن القادم ليس للحسابات القديمة بل لمن امتلك القدرة على الفهم والمبادرة والبناء وتهامة اليوم ليست هامشا ساخرا من التكرار بل مركزا قادما بوعي جديد وسقف جديد لا يرضى الا بالتمثيل الكامل والدور الكامل والحق الكامل

تهامة ليست غاضبة فقط بل واعية ليست غائبة بل حاضرة على نحو لم يفهمه حتى الان من يظن ان الامور ما زالت تحت السيطرة

ما يبنى في الخفاء الان داخل تهامة لا يعلن قبل نضوجه لكنه سينفجر سياسيا عندما يحين التوقيت انفجار لن يكون فوضى بل اعادة تموضع حاد سيجد فيه الجميع انفسهم امام واقع جديد لا يشبه ما قبله

التهامي لم يخلق ليدار بل وجد ليقرر لم يتسلط على احد لكنه لن يسمح لاحد ان يقرر مكانه في الخريطة هو يعرف قيمته ويدرك مظلمته ويعرف من خان ومن اختبا خلف صفقات مشروطة

وفي لحظة الحقيقة لن يراهن هذا الجيل الا على نفسه ولن ينتظر اعترافا من بنية سياسية تحركت لعقود على فرضية ان تهامة لا تملك ادواتها

لقد امتلكتها

واستعاد صوته

وما ياتي الان لن يكون نسخة محسنة من الماضي بل مسارا جديدا يفرض من الارض ويفهم من قراءة الوعي لا من قراءة الخارطة.