15 مارس 2012: يوم انتفضت تهامة لكسر قيود التهميش...

في تاريخ الشعوب هناك لحظات فارقة لا يمكن أن تُنسى، محطات تقلب موازين الصمت، وتحول الألم إلى أمل، والاستسلام إلى نضال. ولأبناء تهامة، كان يوم 15 مارس 2012 واحدًا من تلك اللحظات التاريخية التي حفرت اسمها في الذاكرة الجماعية كميلاد جديد لروح المقاومة السلمية في وجه الظلم والتهميش. في ذلك اليوم، خرج الآلاف من أبناء تهامة في مسيرة شعبية سلمية عند باب الناقة شرق الحديدة، رافعين أصواتهم للمطالبة بالحقوق المسلوبة، في موقف هو الأول من نوعه بهذا الحجم والتنظيم...

لم يكن هذا الاحتشاد مجرد مظاهرة، بل كان بداية حراك شعبي واسع، أراد من خلاله أبناء تهامة كسر قيود التهميش التي كبلتهم لعقود طويلة، وإيصال صوتهم إلى العالم. اللافت في هذه المسيرة لم يكن فقط عدد المشاركين، بل أيضًا حجم الوعي الذي حمله المحتجون، حيث كانت الرسالة واضحة: لن يكون هناك صمت بعد اليوم، وحقوق تهامة لن تظل في الظل...

لم تكن مطالب أبناء تهامة في هذا اليوم وليدة لحظة، بل كانت تراكمًا لعقود من التهميش والاستحواذ على أراضيهم وحقوقهم. لسنوات طويلة، عانى أبناء تهامة من الإقصاء على مختلف المستويات، سواء في التنمية، والتمثيل السياسي، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كانت الأرض تُنتزع، والثروات تستغل، وأبناء تهامة يُدفعون إلى الهامش دون أن يكون لهم صوت مؤثر في القرار..

 في 15 مارس 2012، قرر أبناء تهامة أن الوقت قد حان للمطالبة بحقوقهم المشروعة، وأن يكونوا شركاء حقيقيين في مستقبل منطقتهم. رفعوا مطالب واضحة، أهمها إنهاء الاستحواذ على الأراضي التهامية، وإيقاف الظلم الذي وقع عليهم، والاعتراف بحقهم في تقرير مصيرهم داخل وطنهم. تحول هذا اليوم إلى رمز نضالي لأبناء تهامة، وأصبح محطة سنوية لتجديد العهد بمواصلة الكفاح السلمي حتى تحقيق العدالة..

في كل عام، تعود الذكرى لتذكر الجميع بأن الحق لا يموت، وأن النضال العادل لا يتوقف إلا بتحقيق الغايات التي انطلق من أجلها. لم يكن 15 مارس مجرد احتجاج، بل كان إعلانًا عن وعي جديد، وحالة رفض جماعي للظلم، وتأكيدًا أن تهامة لن تعود إلى الصمت مجددًا. لقد كتب هذا اليوم فصلًا جديدًا في تاريخ المنطقة، وأسّس لجيل يؤمن بقضيته ويحملها بكل ما يملك من قوة وإصرار. اليوم..

وبعد أكثر من عقد على تلك اللحظة التاريخية وفي الذكرى الثالثة عشر، لا تزال قضية تهامة حاضرة، ولا تزال مطالب أبنائها تجد طريقها نحو الوعي العام، رغم التحديات التي تواجهها. ومثلما أنجبت تهامة من خرجوا في 15 مارس ليقولوا “كفى للظلم”، فإنها ستنجب أجيالًا أخرى تحمل الراية، وتكمل الطريق، وتدافع عن حقها في العيش بكرامة وحرية. لأن التهامي وتهامة كجسد واحد لا يفترقان، وكما واجهت العواصف من قبل، فإنها ستواجه التحديات القادمة بإرادة لا تلين، حتى يتحقق الحلم الذي خرج من أجله الآلاف في 15 مارس 2012: الحرية، العدالة، والكرامة...