“الإسلام السياسي والمواطنة: بين فوضى الشرق واستقرار الغرب.. اليمن نموذجًا”....

منذ عقود، تعيش الدول العربية، بما فيها اليمن، صراعًا بين تيارين: الأول يتمثل في الإسلام السياسي، الذي يسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية كأساس للحكم، والثاني هو مفهوم الدولة الوطنية الحديثة القائمة على المواطنة، وهو النموذج الذي تبنته الدول الغربية وحقق نجاحًا ملحوظًا. وبينما تتجه دول الغرب نحو المزيد من الاستقرار والتقدم،..

تعاني معظم الدول العربية من النزاعات والانقسامات بسبب غياب مفهوم المواطنة وسيطرة الأيديولوجيات الدينية على المشهد السياسي. فماذا قدم الإسلام السياسي لدولنا العربية ؟ وكيف أسهمت المواطنة في نهضة الغرب ؟ برز الإسلام السياسي في العالم العربي كحركة سياسية دينية تدعو إلى العودة للحكم بالشريعة الإسلامية، وادّعت أنها البديل الأمثل للأنظمة الاستبدادية والفساد السياسي..

 إلا أن التجربة على أرض الواقع أثبتت عكس ذلك، حيث أدى وصول جماعات الإسلام السياسي إلى السلطة أو مشاركتها في الحكم إلى تفكك الدول وانهيار مؤسساتها. اليمن يُعد مثالًا واضحًا لما يمكن أن تفعله الأيديولوجيات الدينية بالدول...

فقد شهدت البلاد صراعًا مستمرًا بين جماعات الإسلام السياسي، مثل الإخوان المسلمين ( حزب الإصلاح ) وحركة أنصار الله ( الحوثيين ) اللتين رفعتا شعارات دينية، لكنهما دخلتا في صراعات على السلطة أدت إلى حرب أهلية مستمرة منذ سنوات. ومن وأبرز ما قدمه الإسلام السياسي في اليمن والدول العربية هو عدم الاستقرار السياسي حيث استخدام رجال الدين، الدين كأداة سياسية أدى إلى استقطاب مجتمعي حاد، وخلق بيئة خصبة للصراعات والانقسامات، كما هو الحال في اليمن وسوريا والعراق ولبنان. وكذلك إضعاف الدولة فمعظم الجماعات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم فشلت في بناء مؤسسات قوية،.

 حيث اعتمدت على الولاءات الحزبية والطائفية بدلًا من الكفاءة. حيث تم التركيز على الولاء الأيديولوجي بدلًا من الكفاءة مما أدى إلى تراجع دور المؤسسات الوطنية وانتشار الفساد والمحسوبية. وكذلك تضييق الحريات حيث فرضت هذه الجماعات قيودًا على حرية التعبير، وأضعفت دور الأطراف الأخرى في المجتمع، وفرضت تفسيرات دينية متشددة، مما أدى إلى تراجع التنمية. وأيضاً أزمات اقتصادية متفاقمة فبدلًا من التركيز على التنمية والإصلاح الاقتصادي..

انشغلت هذه الحركات بالصراعات الأيديولوجية، مما زاد من معدلات الفقر والبطالة، كما هو الحال في اليمن. على عكس الدول العربية التي هيمنت عليها تيارات الإسلام السياسي، اعتمدت الدول الغربية على مبدأ المواطنة كأساس للحكم، وهو ما جعلها أكثر استقرارًا وتقدمًا. في الدول الغربية، يُعد المواطن أساس الدولة، وليس الطائفة أو الدين، مما يسمح بتداول السلطة سلميًا ويمنع الاستبداد. فالمواطن في الغرب يتمتع بحقوق متساوية بغض النظر عن دينه أو عرقه، مما أسهم في خلق بيئة اجتماعية متماسكة تقل فيها النزاعات. كذلك تعتمد الدول الغربية على المؤسسات القوية والكفاءات في إدارة الدولة، مما ساهم في تطور اقتصادي كبير ورفع مستوى المعيشة..

كما أن تعزيز مفهوم المواطنة خلق حالة من الولاء الوطني، حيث يشعر المواطن بأنه جزء من الدولة، وليس مجرد تابع لطائفة أو جماعة دينية. يُظهر الواقع أن الإسلام السياسي لم يحقق وعوده في بناء دول عادلة ومستقرة، بل أدى إلى تفكك الدول العربية وزيادة الصراعات، كما هو الحال في اليمن. حيث إن السبب الرئيسي في عدم نجاح الإسلام السياسي هي الأنانية والحزبية والطائفية لدى الشخصيات الدينية التي تصدرت المشهد السياسي حيث كان ولائهم الحزبي والطائفي والمناطقي يطغى على الولاء والانتماء للوطن والشعب. في المقابل أثبتت تجربة المواطنة في الغرب نجاحها في بناء مجتمعات متماسكة واقتصادات مزدهرة..

 لذا، فإن تبنّي مفهوم المواطنة كبديل عن الأيديولوجيات الدينية قد يكون الحل الأمثل لمستقبل أكثر استقرارًا وعدالة في العالم العربي وفي اليمن على وجه التحديد...