بدون رتوش التحالف العربي وصراع الإنقاذ والموروث اليمني: الحو..ثي نتاج إرث العداء...
من دون تجميل ولا عناوين دبلوماسية علينا ان نواجه الحقيقة
ما كان لمشروع ايران ان يجد طريقه الى اليمن لولا الثقافة السياسية التي تأسست عليها الدولة اليمنية منذ عقود وما الحوثي اليوم الا وريث شرعي لذلك الارث الفكري والمؤسسي الذي قامت عليه النخب العسكرية والسياسية في صنعاء منذ قيام الجمهورية.
فمنذ عقود بنيت المؤسسة العسكرية اليمنية على عقيدة عدائية تجاه دول الجوار وتربت النخب السياسية على خطاب قومي اشتراكي واخواني يرى في المملكة العربية السعودية والامارات والمحيط العربي خصوما محتملين اكثر منهم حلفاء استراتيجيين وكان الولاء مرهونا بالدعم المالي والعداء يبدأ عند توقف ذلك الدعم وتلك العقلية الانتهازية هي التي انتجت الحوثي كما انتجت صالح وعلي محسن والاخوان والناصريين والاشتراكيين وغيرهم.
فالحوثي لم يأت من فراغ بل ورث ماكينة سياسية وفكرية جاهزة مزيج من القومية العربية والبعثية والاشتراكية والاخوانية واضفى عليها الصبغة الصفوية الايرانية ليشكل مزيجا ايديولوجيا جديدا يواصل ذات المسار بعد ان غير الشعارات فقط فبينما رفع صالح شعار الوحدة او الموت ورفع الاخوان شعار الخلافة ورفع الناصريون الحرية والعدالة رفع الحوثي الولاية اما الجوهر فواحد عداء متأصل لدول الجوار وتقديس لمركزية السلطة واحتكار للوطن باسم الفكرة.
التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الامارات لم يأت الى اليمن من فراغ بل جاء منقذ من مشروع ايراني تمدد في قلب الدولة اليمنية بعد ان وجد بيئة سياسية وعسكرية جاهزة لتستقبله وتبرره وتمنحه الغطاء والمبررات وما فعله الحوثي لم يكن اختراعا بل استكمالا لمسار قديم اذ ورث ثقافة سياسية وعقيدة عسكرية معادية للجوار تم بناؤها خلال عقود داخل المؤسسة العسكرية والنخبة السياسية في صنعاء وهذه النخبة تشكلت على مزيج من التيارات التي اختلفت في الشعارات لكنها اتفقت على شيء واحد العداء للمملكة ولدول الخليج مع الاعتماد عليها كمصدر تمويل طالما كانت الاموال تتدفق ثم التحول الى خطاب التخوين والعداء عند توقفها.
وما كان لمشروع ايران ان يجد موطئ قدم في اليمن لولا هذه الثقافة التي جعلت من العداء للجوار جزءا من الهوية السياسية فصالح الذي حكم بثقافة المساومة والابتزاز هو نفسه من زرع فكرة ان الخليج عدو مؤقت وصديق مؤقت وان الولاء مرهون بالدعم وكذلك علي محسن بنفس النهج ذاته بغطاء ديني وحزبي حتى ظهر الحوثي ليوحد تلك الاتجاهات تحت راية الولاية مانحا الكراهية القديمة غطاء دينيا ومبررا عقائديا جديدا.
والجيش اليمني الذي بناه صالح على مدى ثلاثة عقود لم يذهب مع الحوثي لانه انهار بل لانه وجد فيه الامتداد الطبيعي لعقيدته العسكرية التي ترى في دول الخليج العدو الاول لم يكن الحوثي بالنسبة له خصما بل مخرجا وفر غطاء عقائديا لتلك الكراهية المتجذرة فمنذ الستينات تأسست العقيدة العسكرية اليمنية على فكرة ان الخطر يأتي من الجوار العربي بينما ينظر لايران او القوى الخارجية كحلفاء في مواجهة ما سمي حينها بالرجعية الخليجية ولذلك لم يقاتل كثير من ضباط الجيش الحوثي لانهم رأوا في معركته استمرارية لعداء عقائدي قديم.
وطارق صالح اليوم يمثل امتدادا لتلك المدرسة السياسية والعسكرية فالرجل يعيد انتاج نظام عمه بواجهة جديدة يرتدي ثوب المقاومة لكنه يحتفظ بنفس الثقافة القديمة التي ترى في التحالف العربي وسيلة للعودة الى السلطة لا شريكا في المصير خطابه مرن تجاه التحالف لكنه يقوم على عقلية تعتبر الدعم الخليجي غاية مؤقتة لا علاقة دائمة وهي نفس الذهنية التي حكمت اليمن لعقود وادخلته دوامة الانفجار المستمر.
الاخوان المسلمون لا يختلفون عن الحوثي في الجوهر فكلاهما يحمل مشروعا فوق وطنيا احدهما مذهبي والاخر حزبي وكلاهما يتغذى على الخارج ويستثمر في خطاب الكراهية ضد السعودية والامارات اما القوميون والناصريون والاشتراكيون فهم وان اختلفت تسمياتهم فقد تربوا على نفس الفكرة التي ترى ان دول الخليج خصم طبيعي وان استقرار العلاقة معها يفقد تلك النخب قدرتها على البقاء في المشهد السياسي.
ولذلك التحالف العربي يواجه اليوم ليس الحوثي فقط بل منظومة فكرية وسياسية متجذرة تمتد في عمق الدولة والمجتمع اليمني ثقافة ترى في الجار العربي عدوا وفي الاجنبي صديقا وتعتبر الدعم الخليجي حقا مكتسبا لا شراكة قائمة على المصير المشترك لذلك فان اي رهان على القوى التقليدية التي سلمت البلاد بالامس للحوثي هو رهان خاسر لانها تشترك معه في العقيدة والعداء وتختلف عنه فقط في الشعار.
لن ينتهي مشروع ايران في اليمن الا باعادة بناء المشهد الوطني من القاعدة الى القمة عبر خلق قوى شابة مؤهلة فكريا ووطنيا تحمل مشروعا يمنيا خالصا لا يخضع للحزبية او الطائفية ودعم القوى المحلية والمقاومات الشعبية التي خاضت الحرب بعد الفين وخمسة عشر بارادة وطنية لا مصلحية وتأهيلها لتكون نواة لقوة جديدة تمثل البديل الحقيقي عن المنظومة القديمة كما يجب بناء توازن سياسي جديد يدمج هذه القوى مع عناصر من القوى التقليدية وفق رؤية وطنية تضع مصلحة اليمن اولا وتعيد صياغة العلاقة مع الجوار على اساس الحاجة والمصير المشترك لا على مبدأ المنفعة والابتزاز.
فمعركة اليمن ليست فقط مع الحوثي بل مع ثقافة سياسية فاسدة كانت ولا تزال اخطر من الرصاص والبارود واذا لم يتم تفكيك هذه الثقافة فلن ينتهي الحوثي حتى لو سقط اسمه لان هناك الف مشروع ينتظر دوره ليعيد انتاج الخراب تحت اسم جديد اليمن لن ينهض بالوجوه التي اسقطته ولا بالولاءات التي باعته بل بعقيدة وطنية جديدة تعيد تعريف الهوية السياسية والثقافية والاجتماعية لليمن على اساس الانتماء العربي الحقيقي والشراكة مع محيطه الطبيعي في الجزيرة والخليج.
وانتصار التحالف العربي في اليمن لن يكون عسكريا فقط بل فكريا وسياسيا وثقافيا ولن يتحقق ما لم يتم كسر الحلقة التي تربط القوى اليمنية القديمة بالعداء التاريخي للمملكة والامارات فالمعركة اليوم ليست بين الحوثي والاحرار بدعم عربي بل بين وعي عربي يريد انقاذ اليمن وثقافة يمنية قديمة تصر على تدميره بيد ابنائه...



