سقوط الرسالة... وانكسار الصورة في قناة عدن المستقلة

لم يكن الإعلام الجنوبي يومًا إلا لسان حال الناس، ورسالة الوطن التي تنقل همومه وتدافع عن قضاياه الخدمية والأمنية والاجتماعية، وتسعى لرفع الوعي وبناء ثقافة مسؤولة.

لكن ما يحدث اليوم في المنبر الأول للإعلام التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي، تلفزيون قناة عدن المستقلة، يجعلنا نطرح أسئلة مؤلمة حول المعايير التي تحكم الخطاب الإعلامي، والرسالة التي يُراد ترسيخها في وعي المواطن الجنوبي.

لا ألوم شاعر القناة الذي جعل من القناة منبرًا للضحك والسخرية بدل أن تكون منبرًا للفكر والتنوير؛ فالمشكلة ليست فيه بقدر ما هي فيمن سمح له وبارك له هذا المسار الهزلي.

إنما أحمّل اللوم الكامل للقائمين على القناة، وللهيئة الإعلامية للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذين حوّلوا الإعلام الصادق والقوي إلى مشهدٍ عبثيٍّ يشبه فصلًا دراسيًا يعبث فيه طالب مشاغب، وسط غياب كامل للرقابة والمساءلة، واستمرار الفضائح الإعلامية التي أساءت إلى القناة والهدف.

لقد وجد المتربصون بالقناة في ما يُنشر عبرها مادةً جاهزة للسخرية والاستخفاف، وصدمة لكل من كان يظن أن الإعلام الجنوبي يسير بخطى واثقة نحو المهنية والاحترام.

فهل يُعقل أن تُجاز مثل تلك المواد وتُبث دون أدنى مراجعة أو مسؤولية؟

لقد تحوّل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي إلى موضوعٍ دسم لأعدائه، رغم أنه لا علاقة له بما يُقدَّم أو يُقال، في حين أن الشاعر نفسه يدّعي أنه كتب أغنيات بكل لغات العالم، وكتب شعرًا في الرئيس الراحل صدام حسين!

من هنا، يصبح من حق رئيس المجلس الانتقالي — بل من واجبه — أن يُوجّه بتشكيل لجنة تحقيق ومساءلة لمعرفة من يقف خلف هذه الصورة المشوَّهة التي تُقدَّم باسم الإعلام الجنوبي.

امتنعت عن نشر صورة الشاعر أو اسمه احترامًا له، ولأمنحه فرصة أن يدرك ما ارتكبه من خطأ بحق نفسه قبل وطنه، إذ صار اليوم ضحيةً للاستخفاف في مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ما ينشره وما يُنشر باسمه.

أتمنى من الهيئة الإعلامية للمجلس الانتقالي أن تُسارع إلى مراجعة سياساتها، وتُشكل لجنة تقويم ومحاسبة تعيد الهيبة والاحترام إلى الإعلام الجنوبي، لكننا فوجئنا بأن السخرية تجاوزت حدود الداخل، حتى لم يسلم منها أحد — لا في فرنسا ولا روسيا ولا أمريكا ولا الصين!

إن ما يجري اليوم لا يمثل مجرد خللٍ في الأداء الإعلامي، بل يعكس أزمة وعي في فهم معنى الإعلام نفسه؛ فحين تتحول رسالة الاعلام إلى وسيلة للتهريج، يفقد الإعلام روحه، وتضيع البوصلة التي تهدي الناس إلى الحقيقة.

إن الجنوب الذي بُني بتضحيات أبنائه، يستحق إعلامًا راقيًا يعبّر عنه لا إعلامًا يعبث بصورته.

ولعلّ أول الإصلاح أن ندرك أن الاستهتار بالرسالة أخطر من عداء الخصوم، وأن سقوط الوعي أشدّ من سقوط المؤسسات.

كتب / سمير الوهابي