“صراع النفوذ في تهامة: انتهاكات متبادلة بين المجلس الرئاسي والحوثيين ومعاناة المدنيين”
بقلم الاستاذ / عبدالجبار سلمان..
تعتبر اليمن من الدول التي تعاني صراعًا متعدد الأطراف، إذ يتنافس العديد من القوى على السلطة والنفوذ. في هذا الإطار، تبرز الساحة اليمنية بمواجهات بين المجلس الرئاسي، الذي يُمثل الشرعية المعترف بها دوليًا ويضم عددًا من القيادات أبرزهم طارق محمد صالح عفاش، وبين مليشيا الحوثيين التي تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد. وتشمل الصراعات الدائرة بين هذه القوى سلسلة من الانتهاكات والاعتداءات التي تطال أبناء مناطق متعددة، ومن ضمنها منطقة تهامة. تعد منطقة تهامة، ذات أهمية استراتيجية نظرًا لموقعها على البحر الأحمر وموانئها الحيوية..
ومنذ اندلاع الصراع، كانت تهامة ميداناً رئيسيًا للمواجهات العسكرية والسياسية، حيث تسعى كل من مليشيا الحوثيين وقوات الشرعية اليمنية إلى السيطرة عليها. تعيش تهامة اليوم وضعًا معقدًا نتيجة لتدخلات هذه الأطراف المتصارعة، حيث يُحرم السكان المحليون من الاستقرار ويتعرضون لانتهاكات حقوقية متعددة..
يعتبر طارق محمد صالح، قائد قوات “المقاومة الوطنية” وعضو المجلس الرئاسي، من أبرز الشخصيات في الساحة اليمنية، وينحدر من عائلة عفاش التي تمتلك إرثًا سياسياً وعسكريًا في اليمن. يسعى طارق إلى توسيع نفوذه في تهامة، مستندًا إلى قوات مدربة ومسلحة جيدًا..
غير أن هذا التواجد العسكري وُجهت له انتقادات حادة من قبل منظمات حقوق الإنسان وسكان المنطقة، حيث تم اتهام قواته بارتكاب انتهاكات في تهامة، تتراوح بين القتل خارج إطار القانون والسجن والتعذيب..
ويزعم البعض أن هذه الانتهاكات جاءت نتيجة لمحاولة طارق فرض سيطرته على المنطقة وقمع أي صوت معارض، سواء من المدنيين أو من القبائل التي قد لا تتفق مع توجهاته. في المقابل، لا تخلو الانتهاكات الحوثية من التوثيق في تهامة. تسيطر مليشيا الحوثيين على أجزاء كبيرة والمناطق الحيوية في تهامة، وقامت بفرض سياسات صارمة تجاه الأهالي..
وقد شملت هذه السياسات التجنيد الإجباري للشباب وإرغامهم على القتال في صفوف الحوثيين، وقد زادت عمليات التجنيد القسري بشكل ملحوظ بعد أحداث طوفان الأقصى في قطاع غزة، بالإضافة إلى عمليات اعتقال تعسفي وإخفاء قسري طالت المعارضين أو من يُشتبه بانتمائهم لجماعات مؤيدة للشرعية أو التحالف العربي. كما تم توثيق حالات تعذيب وسوء معاملة في السجون التي يديرها الحوثيون، حيث يقبع فيها المئات من أبناء المنطقة..
وسط هذا الصراع الدامي، يعاني أبناء تهامة من أوضاع إنسانية صعبة. حيث يواجه المدنيون نقصاً حاداً في الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، بالإضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي وانتشار الفقر والبطالة. كما أن النزاع المستمر يؤثر بشكل مباشر على حياة الناس، حيث يتعرضون للتهجير القسري ويُحرمون من منازلهم وأراضيهم بسبب الصراعات المسلحة بين الأطراف المتنازعة. ويمثل الوضع الأمني أحد أكبر التحديات، حيث يخشى المدنيون التعبير عن آرائهم أو المشاركة في الشأن العام بسبب المخاوف من الاعتقال أو الانتقام من قبل أي من الطرفين. أمام هذه الانتهاكات المتكررة، ..
يبقى المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان أمام مسؤولية أخلاقية كبيرة. إذ يُطالب المجلس الرئاسي والمليشيا الحوثية على حد سواء باحترام القانون الدولي الإنساني، وضرورة توفير الحماية للمدنيين في تهامة وغيرها من المناطق المتضررة. كما يُطالب المجتمع الدولي بضرورة الضغط على الأطراف المتنازعة لوقف الانتهاكات وتحقيق العدالة للضحايا، سواء من خلال آليات محلية أو دولية..
ختاماً يبقى الوضع في تهامة مثالاً صارخاً على مدى تعقيد الصراع اليمني وتأثيراته الكارثية على السكان المدنيين. يتطلب الوصول إلى حل شامل ومستدام تعاوناً إقليمياً ودولياً، يركز على حماية المدنيين ومساءلة الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات. كما يتطلب من الأطراف المحلية تجاوز الخلافات والعمل من أجل مصلحة الشعب اليمني، الذي يعاني منذ سنوات طويلة من ويلات الحرب.