ودافة يهودية لحضرة يمني!

خرجت قبل قليل، مترجلا أمشي لوحدي في شارع رئيسي بمنطقة كمال هلي في شمال شرق مدينة بنجلور، ثالث أكبر المدن الهندية، حتى وصلت منطقة بعيدة معروفة بنوادي رياضة اللوغا.. فجلست اتنفس الصعداء، كوني صائم،حيث تشعر بقيمة الصوم وحلاوة أجواء رمضان في الغربة أكثر من الوطن،حينما تجبرك الظروف على البقاء، والشعور بأن الشوارع صائمة وساكنة كثيرا من الحركة بإستثناء الطلاب والطلبات وبعض المتسوقين والعمال والخارجين والذاهبين نحو اعمالهم وأندية الرياضة.

جلست اتأمل بحركة الشارع وهي شبه خالية واسأل نفسي كيف يتمكن بلد يعيش فيه أكثر من مليار وأربعمائة مليون نسمة وأكثر من خمسين ديانة ولغة ولهجة، من احداث كل هذا التقدم والتطور التكنولوجي والنهضة المعمارية،وتشييد هذه الطرق والجسور وسكك القطارات الحديدية وغيرها الكثير من مناحي الحياة الرقمية المختلفة التي قطعت فيها الهند مراحل كبيرة تنافس الدول الصناعية الكبرى، بينما نحن العرب غارفين في الحروب وتمويل الصراعات حتى السفاهة وشراء الأسلحة واستعراضها في كل المناسبات حد السخافة، وحينما تأتي الحاجة العربية إليها ننساها تماما كما تناسى جميع العرب اليوم شعب غzه واطفالها وهم يسحقون لليوم ال150 وبكل الأسلحة ويموت من تبقى منهم جوعا وحصارا أوتحت تأثير جروحهم، بعد افتقادهم لما يسدون رمق جوعهم وليس للسلاح والدواء فحسب.

المهم وبالعودة إلى شرودي وتفكيري العميق بواقع هزائمنا العربية ومتى تنتهي لدينا أفكارنا العقيمة قي السير نحو المستقبل واللحاق بشعوب الارض،ونفيق من سكرة أمنياتنا التاريخية،حتى نغادر عصر الجواري وعهد عبلة وعنترة والزير سالم وبطولات داحس والغبراء وجاهلية دفن المرأة وتقبيل واحتضان الأحجار وعبادة الاصنام وتقديس الاوثان وغيرها من خرافات العهود العابرة.

وبينما أنا أهم بمغادرة مكاني، استعدادا للعودة واللحاق بالفطور في جامع جعفر، رأيت فتاة مذهلة الجمال تتجه نحوي بعينين دعجاويتين وشعر أشقر تتطاير خصلاته الذهبية على عنقها الفارغ كالغزال وصولا الى خصر فستانها الضيق والقصير الذي لا يغطي حتى فخوذها شبه العارية...واستغفر ألله وأتوب إليه واللهم إني صائم وابتغي أجرك وثوابك.. 

تتسمرت في مكاني ولم اعد استطيع النهوض والعودة،خاصة وقد رأيتها تقترب اكثر مني وهي تبادلني من على بعد، بابتسامة ساحرة كفيلة بأن تدفع صديقي حمادي للالتحاق بها دينا وعقيدة ومذهبا، على الفور، غير اني حاولت تمالك نفسي واظهار وقار مزيف ومحاولة مستميتة للاحتفاظ بتماسكي في مكاني، طمعا بالتمسك باجر صيامي بدون سحور لليوم الثالث، بعد خضوعي لعملية قلع كامل لأسناني وبقايا ضروسي استعدادا لزراعة أسنان للفكين واعتمادي على مكمل غذائي وحليب وسوائل فقط.

وفجأة وقفت أمامي فعلا كحقيفة شبيهة بحلم جميل يتجسد واقعا معاشا أمامي...

هاي 

- ويلكام ... واهلا وسهلا ومرحبا بك وبهذه المضلة الحلوة الصغيرة التي تضللين بها بعض حسنك وجمالك..و قلتها بالطبع في قرارة نفسي، وانا انتظر وأفكر في كيفية الحديث معها وفهم أي سؤال منها، كون انجليزتي متعبة ومدمرة أكثر حتى من فمي وأسناني ولا طاقة لصائم مثلي في مجاراة شقراء بجمالها الفاتن

فسألتني بلغة انجليزية سريعة مرعبة مختلفة عن انجليزية الهنود المتعبة، عن أقرب نادي لرياضة اللوغا مدري ايش اسمها بالضبظ تشتهر بها تلك المنطقة، واخوكم لقط الكلمة وكلمتين قبلها من سؤالها وعرف أنها تريد نادي رياضي لليوغا..

وحينها اقتلبت أكبر مترجم وفاهم للأماكن واشرت لهآ إلى مكان يبدو من صورة على لوحته الإعلانية أنه نادي رياضي لذات اللعبة بينما هي مشتته تتأمل في وجهي وملامحي تارة ومستغربة من صعوبة كلامي معها كرجل مسن بسبب الحديد المشحون على فكيا.

فقالت لي: هل يمكنك أن ترافقني أو تأتي معي كما فهمت من نطقها بعض كلكات ايضا افهمها كقولها يو كم هير 

- ياس اي دو ..وعلى طول وأبشري سأكون افضل مرافق يصطحبك إلى أفصل وأقرب نادي ويتريض معك كمان وان كان لايعرف اساسا ماهي هذه الرياضة بالضبظ..

المهم انها في منتصف الطريق قصفتني بسؤال مفاجئ وهي تتأمل في لباسي تارة وملامحي تاراتأخرى:

هل أنت عربي من ليببا ...

وقبل أن أرد عليها قلت لنفسي يالهي، ما سر هذه الملامح الليبية التي تلاحقني من مصر إلى لبنان ???????? وصولا إلى الهند..

فقلت لها مازحا : وير ار يو فرم

وأنتي من فين اولا ، لمعرفتي أن اسم اليمن ???????? لا يعرفه هنا ولا يسمع به المواطنين الهنود، إلا من بعد هجمات الحوثيين على السفن التجارية والحربية في باب المندب والبحرين الأحمر والعربي وبإعجاب كن البعض واستغراب من البعض الآخر.

فقالت والابتسامة تعلو محياها وتزيدها أكثر روعة وحسنا وجمالا ونطقا ولغة:

أنا شابة من إسرائيل..

تجمدت بمكاني وأعدت النظر في كل ملامحها وتفاصيل جسدها وفتحت مضيق عميق فيها وأكثر اهمية من باب المندب تمنيت لو أنها تبلعني وتريحني من وطني وهم اوجاعي وأسناني..

وحينها حاولت مبادلتها ابتسامة متصطنعة مثقلة آلام اقتلاع الأسنان، وقلت لها بكل شجاعةوطنية:

وانا من اليمن.. ار يو فرك يمن...

وياليت الأرض ابتلعتها قبل أن اقولها وتسمعها مني بكل رعب وكأني كشفت لها بأني وحش مفخخ يتربص بها ويستعد لتفجيرها وسط ذلك الشارع الذي تركتني فيه وهربت تجري وهي ترطن بالعبري والانخليزي والهندي والعربي، وتتلفت إلى الخلف مخافة أن الحقها، بينما منيت أنا بخيبة ظن وصدمة قاسي، لكني نححت والحمد والله في الاختفاظ بحقيفة بصدق هويتي وتمسكي بعدها بموقفي الثابت من القضية المركزية العربية ورفض التطبيع وعدت إلى مكاني منكسرا كجندي هرب خلسة من أرض المعركة وبدات اكتب لكم قصتي هذه، مستغربا حد الصدمة من مدى خوف اسرائيلية من مواطن اكتشفت فجأة أنه يمني وليس ليبي كما كانت تعتقد..

وكيف وصلت للاسرائيليين مثل هذه القناعة الراسخة باستحالة قبول أي يمني حر شريف بالتطبيع معهم أو القبول حتى بمرافقة إسرائيلية مهما كان جمالها ووجودها ولو في بلد هندوسي محايد

وحينها حمدت الله على أن الصقر لم يكن معي ليلحقها وهو يلعن القضيةويعلن التطبيع من أوسع أبوابه ونوافذه وشقوق جدرانه.

الصورة طبعا مالها علاقة باليهووودية لأنها لم تهملني حتى لالتقط انفاسي واتخيل مستوى الرعب الذي حل بها حقيقة مجرد معرفتها بأني يمني واحتمال بدون أسنان أيضا.

#ماجد_الداعري