( خط الحياة والموت )

نيسان/ ابريل، أجمل الشهور، فهو الشهر الذي تتفتح فيه أزهار الربيع، وتنبجس "ورود نيسان" بين الخمائل الخضراء، وعلى خدود الفتيات، لينبعث ألق الحياة ورونقها من جديد.. لكنه بالنسبة لي أصبح يحمل معاني مختلفة تماما... إنه الشهر الذي كدت أفقد فيه حياتي..!!

تحت قبضة الألم الرهيبة، تشعر كما لو أن الله والملائكة والناس جميعا تخلوا عنك.

تزدحم الصور أمام ناظريك، لكن لا ترى شيئا، وتتعالى الأصوات في أذنيك، إلا أنك لا تعي شيئا.

وشيئا فشيئا تفقد الإحساس بكل من حولك وما حولك.. فقط الألم والوجع الشديد هو المهيمن على جسدك الذاوي.. حينها يصبح مبلغ أملك الخلاص من هكذا ألم ولو عبر الموت.. ذلك ما حدث الخميس الأخير من رمضان/أبريل عندما باغتني ألم شديد في الذراعين والصدر.

رمضان هذا العام كان الأصعب على كثير من اليمنيين جراء استمرار الحرب الملعونة لأكثر من تسعة أعوام.. مع ذلك، لم يتغير علي شيء، كانت أموري المالية جيدة قياسا لحال أكثرية اليمنيين، بفضل أخوة لي أعزاء، فغالبا ما كنت محاطا بدفء عائلتي، فوق ذلك، فالأمور المادية لم تكن تعنيني كثيرا، فطوال حياتي، لا أتطلع لغنى ولا أخشى فقرا.

لكنها الأوضاع العامة للبلد والناس، تلقي بظلالها الكئيبة على الجميع، وتطال حتى الأقلية الأكثر يُسرا، إلى جانب استمرار ارتفاع معدلات سكر الدم لدي في السنوات الأخيرة والتي أظنها السبب في حدوث الجلطة القلبية وانسداد ما يقارب ٩٥ % من الشريان الرئيسي المغذي ل ٧٠ % من القلب.

من السهل إدعاء الشجاعة حينما تعلم مسبقا أن نسبة نجاح العملية مرتفعة، وعندما تغيب عنك مخاطرها المحتملة فضلا عن أن الألم الشديد للجلطة يجعلك لا تتواني عن الموافقة على أي خطوة للتخلص من القبضة الرهيبة للألم.

كما متوقع. تمت القسطرة وتركيب الدعامة بنجاح، ليتبقى الخلود للراحة وتناول الأدوية وضبط السكر، لضمان التعافي من آثار الجلطة التي علمت لاحقا انها كانت شديدة وحادة.

للمرة الأولى، أقف على الخط الفاصل بين الحياة والموت.. وبخلاف ما قرأت وسمعت من روايات " العائدين من الموت" لم ألمح ضوءا ولا نفقا مضيئا، رغم دخولي غيبوبة قصيرة، ربما لأني لأني لم اتجاوز خط الحياة والموت إلى الجانب الآخر.. وضد ما توقعته دائما، لا أظن أن تداعيات الحادثة ستؤثر سلبا على الجانب النفسي أو على "معنوياتي" كما يقول العسكريون.. 

على الأقل ليس كما حدث قبل ثمان سنوات عندما كانت صدمتي شديدة فور علمي بإصابتي بالسكر، حتى كدت أظنها نهاية العالم، وأخذت لأشهر أتعجب من استمرار الناس في أمور معيشتهم بشكل طبيعي، غير مكترثين لمصيبتي، ولكأني رغبت أن يختل نظام الكون..!! وتلك أقصى حالات النرجسية وحب الذات.

.. ولأن الموضوع محزن و"نكدي" يبدو مناسبا اختتامه بطرفة... يحكى أن رجلا من تهامة في اليمن، ماتت زوجته وكان اسمها "سعيدة"، حزن بشدة، واعتكف في بيته يبكيها أياما و أسابيع.. وعندما خرج للسوق، وجد الناس يبيعون ويشترون ويضحكون ويتمازحون.. تعجب من حال الناس وكيف لم يحزنوا مثله على فقدان سعيدة.. فضرب كفا بأخرى وقال بحزن:

 ولا كأن أمسعيدة ماتن ؟!!