المُعلِّمُ نَبيلُ يُوسفَ المَضْرُوبُ المَقهورُ... وصديقهُ رَئِيسُ الوِزراءِ الجَديدِ!
" لكَ الّلحم والعظمُ لنا ":
قَالَها أَخيْ الأكبرُ كوصيةٍ مِن والدي للأستاذِ عبدِ القادرِ الهنديّ مُعلمي الأوّل في (المِعلامة)... مَهيبًا ... عظيمًا كانَ، ولازالَ... ولهُ الفضلُ. رغمَ قسوتِه؛ تخرّجُ على يديهِ الأطباءُ والمهندسون والمعلمون والرجال.... رحمةُ الله تغشاه ... عبارة " لك اللحم ..." كانت عَربونَ وفاءٍ وميثاقَ احترام.
ينْتقلُ المعلمُ المقهورُ "نبيل يوسف" كلّ يومٍ على بقايا دراجةٍ هوائيّة (سيكل بيدل) قاطعًا عشراتِ الكيلو مترات ليصلَ مدرستهِ في حيّ البساتين شمالَ عدنَ التي يواظب على التدريس فيها بإخلاصٍ وتفانٍ، وهو على هذا الحالِ منذُ أكثر من عقدين مِنَ الزمن ... في ذلك اليومِ... أهانوه وأذلّوه... وإهانةُ المعلّم من الكبائر الأخلاقية ومؤشرُ انحطاطٍ.
يمرُّ مَوكبُ رئيسِ الوزراءِ الجديدِ بهيلمانه الضّخمِ المهولِ وحراسته... وزياراتٍ؛ ليصلح ما أفسده الفاسدون، ... تتوقّفُ وقتها عجلةُ الأستاذِ نبيل متأخرًا عن مدرستهِ بضعَ دقائق... حينها يتذكّر المعلمُ صديقَ طفولته في (جيبوتي) أحمد عوض بن مبارك وجاره. " يا لُسخريةِ الأقدار !...
المعلّمُ المقهورُ نبيلُ يوسف وخلْفَه كلّ القيمِ والأخلاق ومعلمي الأرض... عرفته منذُ شبابه ووصوله إلى حيّنا في الشيخ عثمان مع نهاية الثمانينات بجسدٍ نحيفٍ ورثه عن والده العم (يوسف) ذلك الرجل الوديع الذي يعتمر (الكوفية) بأناقة أدركت نبيل يَدرسُ في ثانوية (عبود) دار سعد، وهو صديق جاري وأخي في الرّضاع محمد البيتي، ذكيًّا عُرِف ومتفوقًا أنيقًا ووسيمًا .. ذا شخصية قوية يتقنُ الفرنسيّة والإنكليزيّة بطلاقة... ومرجع أصدقائه، لا يحبّ المجاملات والنفاق معتزٌ بنفسه... مسيرة كفاح وعطاء ..." بطحوه أرضًا وأحرقوا قلوبنا".
جَمْيلٌ ذلك التفاعل من السلطات في عدن ومكتب التربية ووسائل الإعلام كُتّابًا وجهاتٍ، سيما أنّ توثيق مشهد الواقعة انتشر في اليمن وخارجها، فالجريمةُ حينما تذاع وتشتهر تصبح رأيًا عامًا دالًا مؤثّرًا.
لستُ خبيرًا في القانون اليمني إنّما الاعتداء على المعلمِ في داخل الحرمِ المدرسيّ يعدّ جريمة يُعاقب عليها القانون بالسجن والتغريم في أغلب البلدان.
ما يثيرُ الغثيانَ المتاجرةُ بالواقعة واستثمارها سياسيًا، والأصلُ فيها أخلاقي تربوي ... ولكَم أخشى على مستقبل البلاد والعباد إذا كان المعلم يُضرب، ثمّة خلل كبير في المنظومة الأخلاقية والتعليمية تثير القلق على مستقبل الحياة التعليمية وبوجه عام على مستقبل البلاد.
أمّا الاعتذار وهو مطلوب فلم يكن على ذلك القدر من الاحترام وجاء الاعتذار المسرحي سمجًا متصنعًا ...وأكثر استفزازًا، هكذا تلقّته الأوساط الاجتماعية والتربوية، ولم يكن مرضيًّا.
أتمنى أن يكون هناك اعتذارًا رسميًّا يَشفي الصدور وأن يتذكر الدكتور بن مبارك صديقه القديم وهو الوفيّ ويتواصل معه ويكرمه لا بحقّ الصداقة القديمة وإنما التقدير والامتنان والشكر لكلّ المعلمين الذين ساءت أوضاعهم وتسوء وهم صامدون في ثكناتِهم.
مجيب الرحمن الوصابي