الوطن ليس عَلَمٌ و حدود جغرافية بل أمن واطمئنان وعلاقة روحانية
كم حذرنا و حذر المخلصين من أبناء شعبنا في الجنوب ، من الإغفال عن ظاهرة خطيرة بدأت تنهش في مجتمعنا بشكل مخيف جداً ، و تزداد كل حين في التوسع و الانتشار ، لدرجة أننا نخشى إن طال سكوتنا عليها إذا بها تصبح جزءاً من عاداتنا ، وهي والله دخيلة علينا ، كما أنها سبب معاناتنا وضعفنا و بالتالي ما أدى إلى تقهقرنا ، فكلما تقدمنا و أردنا فرض إرادتنا ، وتحقيق أحلامنا و الفرصة مواتية و كانت قاب قوسين أو أدنى ، إذا بنا نصطدم بتلك المعضلة والظاهرة المُعَطِّلة لتعيدنا إلى نقطة البداية و هكذا ،و كأننا ندور في حلقة مفرغة و متاهة مغلقة بإحكام شديد علينا ، تمنعنا من الخروج منها والتحرر من قيودها بالرغم من تحريرنا لأرضنا ، والتي لن تنفك عنا مالم يستقيم حالنا.
لذا فإن الإختلال الأخلاقي والثقافي والسلوكي في مجتمعنا والذي بلغ للأسف حداً مقلقاً و مفزعاً قد يتحول إن أطلنا الصمت إلى انحلال والعياذ بالله ، لذا لا مناص و لا خلاص لنا إلا بتهذيب أخلاقنا و بالعودة إلى إرثنا و ثقافتنا و كل ماضينا الجميل النقي الذي أضعناه ولم نحافظ عليه و التمسك به ونهض على أسناسنا ، فمن أضاع ماضيه وقَبِلَ بتلويث ثقافته و أخلاقياته وتعاملاته و تاريخه و حضارته ، فَأَنَّا له أن يستعيد وطنه ، و أي وطن هذا الذي ننشده و قد انتُزِعت روحه العطرة ، و استبدلت بروح خبيثة نتنة ، وبالتالي انعكست على طباع مواطنيه ، بفعل ذلكم الغزو الفكري والثقافي الذي لم نُعِرهُ اهتماماً وتركناه يصول و يجول وينخر في مجتمعنا الجنوبي المشهود له عبر العصور بالسمعة الطيبة ، فعمد على بعثرة التلاحم المجتمعي و عَطَّل الإرث الإجتماعي الراقي و دَمَّر التعامل الأخلاقي ، و أُشرِبَ عادات مسمومة لتجعل من مجتمعنا المسالم المتحضر امتداداً حياً لأخلاق و تعامل المحتل اجتماعياً وثقافياً، بل تَفَوَّقَ عليه مجتمعنا بشكل ينذر بخطر اضمحلال عاداته و إرثه القويم و تاريخ طويل لشعب مستقيم ، مارس المَدَنِيَّة كخيار سليم ، وانتهج مبدأ العدالة الاجتماعية بشفافية دون تكميم ، والتزم بتطبيق القانون واحترم الذات الإنسانية دون تمييز و تقسيم ، و أحب بإخلاص وطنه الذي استحق منه التضحية والفداء بكل أمر جسيم ، فمالذي أصابنا اليوم ، ومتى الخلاص من واقعنا الأليم ، و ما أسباب تأخر إعلان استقلالنا العظيم ؟
ولن يَتَأَتَّى ونحن حبيسي الحدود الجغرافية
واهتمامنا يَنصَبُّ لاستعادة الدولة السياسية
في حين أهملنا مواردنا وهي القوة الحقيقية
وعلاقة المواطن بوطنه بحاجة لجرعة وطنية
و لتحقيق تلك العلاقة التكاملية والروحانية
عليكم بذل الجهود لانتشاله من ذُلِّ العبودية
واستعادة حريته في أن يعيش حياة كريمة
واستشعاره بالأمان وبَحَقٍ مُصَانٍ وطمأنينة
عندها سيتطهر مما اعترته من اخلاق دخيلة
ليعود كما كان في أخلاقه و تعاملاته الأصيلة
حينها حتماً ستأتينا مهرولة دولتنا الجنوبية .