في قـلب العاصـفة: رئاسة الحكومة بين جهد الإصلاح وجذور الفساد

     فـي مسار الدول التي أنهكتها العواصف وتردّت فيها البنى حتى أوشكت على الانهيار، تَصْبِحُ رئاسة الحكومة في قلب العاصفة؛ فتتلقى الضربات كلها، وتُسأل عن كل التفاصيل مهما تباعدت عنها دوائر القرار. 

     ومـع ذلك، لا يمكن إنكار أن رئاسة الوزراء خلال المرحلة الراهنة تبذل جهدًا واضحًا في فتح المسارات المغلقة، وتليين ما تراكم من صعوبات، والدفع نحو الحد الأدنى الممكن من انتظام الحياة العامة، رغم واقع بالغ التعقيد.

     فـالمشهد العام مُثْقَلٌ بسنوات من التشظي، ومؤسسات محاطة بإرث طويل من العجز والاختلال، وبيئة يسكنها الفساد كما يسكن الغبار زوايا البيوت المهجورة. ورغم هذا كله، تُسجَّل للحكومة خطوات جادة في محاولة تفكيك التعقيدات، وترميم ما تَهَشَّمَ من المرافق، وإعادة الاعتبار لوظيفة الدولة بوصفها ضامنًا للعيش الكريم، لا مجرد عنوان سياسي على ورق.

     وقـد بدا جهد رئاسة الوزراء واضحًا في سعيها لكسر الجمود، وضبط الإيقاع الإداري، ومحاولة تحويل العمل الحكومي من ردود أفعال متفرقة إلى مسار ذي رؤية؛ إنها تحاول – بقدر استطاعتها – أن تعيد تنظيم الدولة من الداخل، وأن تُصوّب البوصلة نحو مصالح الناس، لا نحو مصالح المتنفذين. 

     وفـي كل خطوة تُفتح نافذة، أو يُرفع حجرٌ عن ممر مسدود، لكن السؤال الذي لا يغيب عن ذهن المواطن: من يحسم الجولة في النهاية؟ الإصلاح أم الفساد؟ الدولة أم مراكز النفوذ؟

     فـالمعضلة ليست في نوايا الحكومة، ولا في الجهد اليومي الذي يُبذل، بل في ذلك الصراع العميق بين مَن يريد بناء مؤسسات حقيقية ومَن يريد احتواءها أو تعطيلها؛ ولـئن كانت رئاسة الوزراء تعمل على تذليل الصعاب، فإن هناك مَن يعمل في الاتجاه المعاكس، يحاول إعادة إنتاج الفوضى، ويعيد تدوير مصالحه في كل منعطف.

     وهـنا يظهر السؤال الأكبر: هل يكفي جهد الحكومة وحده لكسب المعركة؟

بالطـبع لا. فـالدولة ليست مكتبًا تنفيذيًا فقط، بل هي شبكة متداخلة من القوى السياسية والمؤسساتية والاجتماعية، تتصادم رؤاها ومصالحها؛ وعندما يكون الفساد متجذرًا في مفاصل تلك الشبكات، تُصبح كل خطوة إصلاحية بمثابة معركة صغيرة داخل حرب طويلة.

      ومـع ذلك، لا يمكن التقليل من أهمية العمل الجاري، فحتى إن بدا الطريق شاقًا، فإن وجود إرادة حكومية أكثر انضباطًا ووعيًا يمثل مدخلاً مهمًا لإعادة توازن الدولة. 

     الـشرط الوحـيد هو ألا تبقى الحكومة وحيدة في مواجهة قوى التعطيل، بل أن تتحول جهودها إلى مشروع وطني جامع، يشارك فيه المجتمع، وتدعمه القوى التي تُدرك أن استمرار الفوضى ليس خيارًا، وأن خسارة الدولة تعني خسارة الجميع دون استثناء.

     وفـي نهاية المطاف، يبقى السؤال مفتوحًا: من يفوز؟

     الإجابة ليست في اللحظة الراهنة، بل في قدرة رئاسة الحكومة على تحويل الجهد إلى بنية، والإرادة إلى نظام، والمحاولات إلى واقع لا تستطيع مراكز الفساد الانقلاب عليه. 

     وعـندما تنتصر الدولة – إذا انتصرت – فـلن يكون ذلك بقرارٍ واحد، بل بتراكم خطوات صغيرة وشجاعة، تُبْنَى فوق بعضها حتى تستعيد البلاد مكانتها وسط ركام السنوات الثقيلة.

     وعـلى رئيس الوزراء؛ في خضم هذا المشهد، أن يبذل مزيدًا من الجهد، وأن يستعين بالكفاءات في كل مفصل من مفاصل الدولة، ممن يُشهد لهم بالنزاهة أولاً والكفاءة ثانيًا؛ فالإصلاح الحقيقي يبدأ من الرجال الذين لا يُباع ضميرهم، ولا تتزعزع بوصلتهم مهما اشتدت العواصف. 

     والله نـاصر كل من يريـد لهذه الأمـة السلامـة والعيـش الكـريم.

د. هـاني بن محمد القاسمي

عـدن: 18. نوفمبر. 2025م

.