ماذا تعلم طالب المدرسة في 12 عاماً من التربية الإسلامية؟

ماذا تعلم طالب المدرسة في 12 عاماً من التربية الإسلامية؟

كتب | محمد العياشي alayashi2017@

بعد سنوات من الوقوف بين طلابي في حصص التربية الإسلامية، أحمل معي كل يوم أسئلةً ثقيلة: كيف لاثني عشر عاماً دراسياً أن تنتج طالباً بالكاد يحفظ أربعة أجزاء من القرآن؟ كيف أصبحت هويتنا الإسلامية غريبة في مناهجنا؟ هذه ليست مجرد تساؤلات أكاديمية، بل هي شجون يومية تعتصر قلبي كمعلمٍ يرى الفجوة تتسع بين الأهداف النبيلة والواقع المُعَاش.

من واقع تجربتي الميدانية، تكشف لنا الأرقام المفزعة عمق الأزمة. فإذا قمنا بحساب مجموع صفحات القرآن في الكتب المقررة على مدى 12 عاماً، نجد أنها لا تتجاوز أربعة أجزاء من أصل 30 جزءاً، أي ما نسبته 13% فقط من كتاب الله. أما بالنسبة للأحاديث النبوية، فإن مجموع ما يدرسه الطالب لا يصل إلى أربعين حديثاً، بينما يمكن إنجاز "الأربعون النووية" في شهر واحد في أي مركز للعلوم الشرعية. والأمر الأكثر إيلاماً أن الطالب المنتظم في حلقة تحفيظ لمدة شهرين إلى ثلاثة فقط، يمكنه حفظ ما يعادل - أو يزيد - عما يحفظه طالب النظام المدرسي في 12 عاماً!

والأمر لا يقتصر على التربية الإسلامية فحسب، بل يمتد ليشمل اللغة العربية، ففي 12 عاماً لا يكتمل تدريس الأساسيات النحوية والصرفية. بينما يدرس الطالب في المراكز الشرعية كتاب "التحفة السنية" في علم النحو ويحقق إتقاناً فيه خلال عام واحد فقط! إنها مفارقة تطرح سؤالاً جوهرياً: أين يذهب الوقت والجهد في مدارسنا؟

ولا يستغرب أحد أن تعلن وزارة التربية والتعليم عن حذف بعض الدروس للصفوف الوزارية في نهاية العام في المرحلتين الأساسية أن هناك بعض الدروس محذوفة !
 وهناك مدارس لم تكمل المنهج الدراسي أساساً!
 هذه الممارسات تعمق أزمات بعضها فوق بعض حتى يخرج الطالب في ظلمات من الجهل، حتى يخرج  لايرى ولا يشار اليه ، وهذه تؤكد عدم واقعية التخطيط للمناهج.

هذه المفارقة الصادمة تنتج عنها حتماً عواقب وخيمة، فأمامنا خريجون ضعيفو الصلة بكتاب ربهم، لا تتعدى علاقتهم بالقرآن التلاوة المدرسية المجزأة. وهم عاجزون عن استحضار الدليل الشرعي بسبب ضعف مخزونهم من الأحاديث النبوية. والأخطر أنهم يعيشون تشوُّشاً في الهوية، فيتناقضون بين قيم المنهج المحدودة وواقع اجتماعي مليء بالتحديات الفكرية. إنه استنزاف حقيقي لرأس المال البشري والزمني، وإهدار للموارد الوطنية.
من واقع خبرتي، فإن المخرج يتطلب خطوات جريئة تنتقل بنا من التقليدية إلى العصرنة. أولاً، زيادة الكم النوعي من القرآن الكريم والأحاديث النبوية بشكل جذري، ليكون الحفظ والفهم هدفاً رئيسياً. ثانياً، دمج التقنية بتحويل المنهج إلى تجربة تفاعلية باستخدام التطبيقات الذكية والواقع الافتراضي. ثالثاً، ربط المنهج بالواقع من خلال تقديم الدروس كحلول عملية لتحديات العصر مثل الأخلاق الرقمية والاقتصاد الإسلامي. رابعاً، تفعيل "المسار التكاملي" عبر شراكة حقيقية بين المدارس والمساجد والمراكز الشرعية.

كمعلم أرى أن تحديث مناهج التربية الإسلامية لم يعد رفاهية، بل هو مسألة وجودية تتعلق بهوية الأمة ومستقبلها. لقد طفح الكيل، ولم نعد نرى من "طاحونة" التعليم الحالية سوى "الجَعجَعَة" بلا طحين.
النداء موجهٌ لصنَّاع القرار التربوي: أنقذوا هذه المادة من الجمود، واجعلوها قادرة على صناعة جيلٍ يحمل قرآن ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في قلبه، ويحمل هم وطنه وعصره في عقله.