عدن .. نهاية الإمتحانات الشفوية في معهد القضاء “محطة تُختتم وأخرى تبدأ”
منبر الأخبار:خاص
اليوم نطوي صفحة مرحلة اتسمت بكثير من الالتزامات العلمية، والتحديات الأكاديمية، إنه آخر يوم نحمل فيه همّ التحضير والمراجعة، والاستعداد للوقوف أمام لجنة أكاديمية وقضائية متخصصة، وشديدة الصرامة والإلتزام، والإجابة على ما سيوجه إلينا من الأسئلة المتنوعة والممزوجة بقضايا، بل هي آخر لحظة عشنا فيها توتر الإجابة وترقب الدور، والدخول إلى غرفة الإمتحانات التي تشبه غرفة المداولة والتي يزينها نخبة من أساتذتنا الأجلاء وقضاتنا الموقرين، ووضعنا فيها حدًّا لفترة من السهر الطويل، والبحث المستمر بين السطور، ومراجعة المختصين من قضاة وأساتذة (دكاترة)، وتلك الليالي التي لم نعرف فيها النوم إلا قليلًا.
في هذا اليوم .. نطوي صفحة من أكثر المراحل ضغطًا وثِقلًا في مسيرتنا العلمية والأكاديمية، إنه آخر يوم من الضغوطات النفسية، وآخر لحظات الهموم التي رافقتنا طويلًا، نهاية سنة كاملة من التوتر والإنشغال المستمر عن الأهل والأصدقاء، لقد كان عامًا دراسيًا حافلًا بالتحديات، عامًا امتلأت أيامه بالمسؤوليات الجسيمة التي يفرضها الإنتماء إلى معهد القضاء، حيث تتشكّل معالم المستقبل وتُصقل المهارات القانونية والقضائية بمنتهى الدقة والصرامة، تحت قيادة عميد المعهد وبإشراف مباشر من وزير العدل رئيس مجلس المعهد.
لقد أمضينا أيامًا طويلة بين الكتب والمراجع، نتنقّل بين السطور بحثًا عن المعرفة، ونتنفس بين الفينة والأخرى لنستجمع ما تبقّى لنا من طاقتنا، ولم تكن الليالي بأخفّ وطأة من نهارها؛ فقد كانت تمتدّ ساعاتها، وتزداد معاناتها، وكأنها إختبارٌ إضافي للصبر، تختلط فيها مخاوف الإمتحانات بجدية المسؤولية، حتى غدت الكوابيس جزءًا من روتين هذه المرحلة الدراسة.
ومع كل هذا، لم تكن تلك المعاناة عبثية، بل كانت خطوات ضرورية في طريق إعداد نفسي وذهني، لتحمّل متطلبات العمل القضائي مستقبلًا، فالبحث المتواصل، والسهر الطويل، والشعور المستمر بالضغط، كلها تجارب ساعدتنا على تطوير قدراتنا، وتوسيع مداركنا، وفهم طبيعة المهنة التي نخطو نحوها بثقة أكبر يومًا بعد يوم.
اليوم لا يمثل مجرد نهايةٍ لسنةٍ دراسية، بل يمثل نهاية مرحلة وصلتُ فيها أنا وزملائي إلى حدودٍ كنتُ أظنها بعيدة المنال، وبدأتُ أرى فيها نتائج الجهد تتجلى بوضوح، وها أنا اليوم أشعر بأنني أودّع عامًا مليئًا بالتحديات، وأستقبل عامًا جديدًا أكن فيه أكثر استعدادًا ونضجًا، وأكثر قدرة على تحمّل مسؤولية الدراسة والبحث، وأقرب إلى تحقيق الهدف الذي من أجله التحقتُ بالمعهد، بأن أكون جزءًا من منظومة العدل، حارسًا للقانون، رافعًا للظلم، ومسؤولًا عن كلمة الحق وإنصاف أهله، وكل ذلك بإذن الله وتوفيقه.
كانت سنة مليئة بالاختبارات، لكنّها أيضًا مليئة بالتجارب التي صقلت شخصيتي، وباللحظات التي جعلتني أقوى وأكثر نضجًا؛ فبين جدران قاعات المحاضرات، لم نتعلم المادة العلمية التي تلقيناها من قضاتنا المبجليين وأساتذتنا الأجلاء فقط، بل تبادلنا فيها الدروس والعبر مع زملاء أصبحوا لنا أكثر من مجرد رفاق دراسة؛ فقد كانوا سندًا، وشاركوا معنا التعب والإنتظار، والضحكات التي كانت تخفف عبءِ الأيام الثقيلة.
واليوم، ومع نهاية الإمتحانات الشفوية، ها نحن نغلق فصلًا كان صعبًا لكنه جميل، مرهقًا لكنه ثريّ؛ نغلقه بنجاح أننا تجاوزناه، وبامتنان لكل من وقف إلى جانبنا، وبأمل يفتح لنا أبواب المرحلة القادمة، بثقةٍ أكبر، ونظرة أكثر رسوخًا نحو المستقبل؛ إنها نهاية مرحلة وبداية أخرى، لحظة تستحق الإحتفال، والتقاط الأنفاس، والإعتراف بأن ما مررنا به لم يكن سهلًا، لكنه كان خطوة أساسية في طريق العطاء الذي اخترناه؛ بل بداية مرحلة جديدة تحمل في طياتها أملًا متجدّدًا، وإصرارًا أعظم على مواصلة الطريق، وإن كان العام المنقضي قد علّمني شيئًا، فهو أن الطريق إلى القضاء ليس طريقًا معبّدًا بالراحة، بل هو طريق يليق فقط بمن يملكون الصبر والعزيمة والإيمان برسالتهم.
واليوم، وأنا أكتب هذه الكلمات، أشعر بالفخر بأنني تجاوزت أحد أصعب الأعوام في مسيرتي التأهيلية العلمية والأكاديمية، وبالإمتنان لكل تجربة صقلتني، ولكل تحدٍّ قوّاني، ولكل لحظةِ شكٍ صنعت في داخلي يقينًا أكبر، وللأيام القادمة أمضي بثبات، مدركًا أن كل خطوة أقترب بها من هدفي تستحق كل ما بذلته من تعب، سائرًا نحو تحقيق رسالتي في خدمة العدالة والوطن.
الحمد لله على ما مضى، والقادم بإذن الله أجمل وأعمق أثرًا
#جواد_النابهي
#المعهد_العالي_للقضاء
#معهد_القضاء
@إشارة



