تهامة ..ومأساة العقل التابع ...



في زمن اختلطت فيه المواقف وتبدلت فيه الموازين يظهر نموذج غريب يرى المجد في استجدائه من الخارج لا في بنائه بسواعد ابناء الارض يؤمن بالوهم ويغفل عن حقيقة الزيف يقلب المفاهيم راسا على عقب فيرى في الطامعين بتهامة صدق وفي اهلها الاوفياء عداء وتختزل تهاميته في شعارات يرددها دون وعي بينما يخالفها فعلا وسلوكا يصبح الغريب مخلصا وابناء الارض خصما وتدار الولاءات بعيدا عن الجذور فيبحث عن اعتراف زائف من الخارج وكأن كرامته لا تكتمل الا بختم الزيدي...

انها مأساة العقل التابع الذي فقد بوصلته واستبدل انتماءه بالاوهم نموذج يذكرنا بابن العلقمي حين يتحول الولاء الى خيانة مغلفة بشعارات براقة ويصبح الدفاع عن الاعداء فضيلة والطعن في الاهل شجاعة زائفة...

في شخصيته تشابه مع ابن العلقمي في الجوهر والمعنى فكلاهما بحث عن وهم مفقود عن مكانة في غير موقعها وعن مجد يستجدى من الخارج لا يصنع في الداخل كأن التاريخ يعيد نفسه حين تتكرر النماذج ذاتها بأسماء مختلفة تتزين بالولاء وهي تعمل ضد جذور انتمائها...

كلما رأيته تذكرت مشهد ابن العلقمي وكأن هذا الرجل يقول سأحقق لاعداء تهامة ما عجزوا عن تحقيقه بانفسهم وليس هذا ضعفا في الشخصية فقط بل خلل في الوعي وافتقاد للاحساس بالانتماء لا يرى نفسه اهلا للمسؤولية فيصبح تابعا ينطق بلسان غيره ويهذي بما يلقن له فيتحول من صاحب قرار الى اداة ناقلة للآخرين...

لقد كانت امامه فرصة ليثبت ان تهامة لا تختزل في الاشخاص بل تصان برجالها الاحرار لكن الضعف يظل اسيرا لنفسه لان الخيانة ليست فعل لحظة غضب بل منهج يتربى في النفس حتى يصير طباعا ضاعت الفرصة لان من يفتقد الايمان بذاته لا يستطيع النهوض...

ما نشهده اليوم ليس اخفاق فرد بل تكرار لمأساة تاريخية حين يتولى الضعفاء مقاليد القرار تدار الملفات بروح التابع الباحث عن رضا من لا يملك له نفعا ولا ضررا بعيدا عن الثوابت والمبادئ..

ومع كل ذلك ستظل تهامة قوية تتجاوز ابن العلقمي وفرس النهر بوعي شبابها الذين يدركون ان الوعي هو السلاح الحقيقي وان وحده من سينتصر والايام دول والتاريخ لا يرحم ومن هان نفسه سيهان طوعا...