بـالـعدني "مـش غـلـط"


     "مـش غـلط" أن نستعين بالخبرة، ولا عيب أن نصغى لأصحاب الكفاءة، ولا ينقص من هيبة الدولة أن تسند المهام إلى من يملك التجربة والعقل الراجح. 

     "مـش غـلط" أن نعيد الاعتبار لأهل الاختصاص في كل مفصل من مفاصل الدولة، فالأوطان لا تبنى بالعواطف، بل تبنى بالعلم والتجربة، وبأياد تعرف الطريق وتدرك حجم التحدي.

     "مـش غـلط" أن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، لأن الخطأ الحقيقي هو أن نترك مواقع القرار بيد من لا يملك أدوات الفهم ولا بوصلة الإتجاه؛ كم من قرارات مرت على البلاد فزادت من وجع الناس، فقط لأنها ولدت في غياب الرؤية وخارج نطاق المشورة. 

     إن الاسـتعانة بالخبرات الوطنية ليست ترفًا إداريًا، بل واجبًا وطنيًا؛ فـالعقل الخبير قادر على تحويل الفكرة إلى مشروع، والمشروع إلى واقع، والواقع إلى نهضة. 

مـن هـنا؛
     تبـدأ التنمية الحقيقية، لا بالشعارات ولا بالتصفيق المؤقت، بل بالعمل الجاد والعقول التي تعرف من أين تؤكل كتف التنمية.

     "مـش غـلط" أن نقول إننا بحاجة إلى مراجعة الذات، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة على أسس مهنية، لأن استمرار الأخطاء الإدارية والقرارات المرتجلة لن يقود إلا إلى مزيد من المعاناة؛ المـواطن لم يعد يطلب المستحيل، بل يطلب فقط أن يشعر بأن الدولة تعمل من أجله، لا عليه.

     فـلنفتح الأبواب للعقول التي تؤمن بالوطن قبل المناصب، ولنعد الثقة لمن يملك الخبرة قبل الولاء، فـالدول لا تنهض بالولاءات الضيقة، بل بالعقول الواسعة التي تحمل هم الوطن ومصلحة الناس.

     "مـش غـلط" أن نبدأ من جديد، أن نصحح المسار، أن نؤمن أن التنمية لا تدار بالعشوائية، وأن القرار الصائب لا يولد من الفراغ. 

     "إن بـناء الـدولة يحتاج إلى إرادة شجاعة ترى في الخبرة طوق نجاة، لا تهديدا للمصالح".

فـاليـوم؛
     أكـثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى أن ندرك أن الاستعانة بأصحاب التجربة والعلم ليست ضعفًا، بل هي عين القوة؛ ومـن القـوة أن نعترف بأننا لن ننهض إلا بالعقول التي تؤمن أن خدمة الناس عبادة، وأن الوطن يستحق الأفضل دومًا.

     وهـا نحـن قد أكدنا إن الطريق واحد، فماذا بعد القول إلا الفعل؟ 

     لـقد حان الوقت لتحويل هذه القناعة إلى مشروع وطني شامل؛ إلى إصلاح جذري يغير منطق الإدارة ويرفض أن يكون الوطن مغنمًا للوصول أو مغرمًا للكفاءة.

     أمامنا خياران لا ثالث لهما: إما أن نستمر في دوامة الأخطاء التي تأكل جسد الأمة، وتضاعف من معاناة المواطن، وأما أن نتشجع لخوض غمار التغيير الجاد، حاملين في يدنا بوصلة العلم، وفي أخرى إرادة التضحية. 

     "لـن تقوم لنا قائمة، ولـن نسترد طعم الحياة، إلا إذا أصبحت الكفاءة هي الأصل، والخبرة هي القائد".

     فـلنكن جيل التصحيح، لا جيل التعايش مع الخطأ؛ وفي هذا وحـده تكـمن القـوة الحقيقـية.

د. هـاني بن محمد القاسمي
عـدن: 2. نوفمبر. 2025م
.