مـعارك الحـياة في اليـمن"حين يصبح البقاء انتصارًا"
فـي هذه البلاد التي أنهكتها الحروب وتناوَبَت عليها الأوجاع، لم تعد المعارك تقتصر على الجبهات وحدها، بل امتدت إلى تفاصيل الحياة اليومية للإنسان اليمني؛ فـكل صباحٍ هو معركة جديدة يخوضها المواطن مع الواقع: مع الأسعار، ومع الكهرباء، ومع الوظيفة التي غابت، ومع الحلم الذي أرهقه الانتظار حتى ذَبُل.
لـقد صار اليمني محاربًا بلا درع، وجنديًا بلا بندقية، يقاتل من أجل البقاء لا من أجل النصر، فـالجوع اليوم له أكثر من وجه، والخذلان أكثر من راية، والواقع أقسى من كل ما كُتب في كتب التاريخ والسياسة.
ومـع ذلك، ما يزال في هذا الإنسان شيء من العناد النبيل، ذلك العناد الذي يجعله يبتسم وهو يقف وسط الركام، ويواصل السير وهو يعلم أن الطريق طويل ومليء بالحفر.
السـياسة هنا؛ ليست سوى مرآة مشروخة لواقع أكثر تشظيًا، صراعات لا تنتهي، ومشاريع تتبدل كالفصول، ومصالح تضرب جذورها في تربة الألم.
لكـن خلف كل هذا الضجيج، يقف شعب يفتش عن معنى بسيط للحياة، عن دولة تحميه لا تعاديه، وعن وطنٍ يحتضنه لا يطرده من دفء الانتماء.
فـي معارك الحياة، لا صوت يعلو فوق صوت الصبر، ولا راية تُرفع إلا راية الكرامة الإنسانية.
فـكم من أمٍّ تخوض معركتها في طابور الخبز، وكم من أبٍّ يقاتل بصمته ليُبقي أبناءه في صفوف المدارس، وكم من شابٍ يتحدى اليأس ليخلق من رماد الانكسار بارقة أمل.
اليـمن اليوم، ليس ساحة حربٍ فحسب، بل ميدان اختبارٍ لمدى قدرة الإنسان على الصمود.
ومـع كل معركة يخوضها المواطن بصبرٍ من فولاذ، يثبت أن الهزيمة ليست قدرًا، وأن النور، مهما تأخر، سيجد طريقه إلى العيون المتعبة ذات يوم.
ربـما سئم اليمني من الوعود ومن خطابات الساسة، لكنه لم يفقد بعد إيمانه بأن هذا الوطن يستحق الحياة.
فـالمعارك لا تُحسم بالقوة وحدها، بل بالإرادة التي لا تنكسر، وبالإيمان بأن غدًا أجمل مهما طال ليل الألم.
وفـي نهاية المطاف، ستسكت البنادق، وتغادر الحرب، لكن معارك الحياة ستبقى، لأنها ببساطة معارك الإنسان من أجل كرامته وحقه في أن يعيش كما يليق بالبشر.
أيـها اليمني الصامـد…
اعـلم أن وجعك ليس هباءً، وأن صبرك ليس ضعفًا، بل هو صلابة من معدنٍ لا يلين.
أنـت من علمت العالم أن الفقر لا يكسر الكرامة، وأن الخراب لا يقتل الأمل، وأن اليد التي تبني لا بد أن تنتصر في النهاية.
قـد تتعب اليوم، وقد يثقل عليك الغد، لكن تذكر أن الفجر يولد من رحم العتمة، وأن الوطن مهما جُرح سيعود يومًا لينبض بالحياة.
فـلا تترك المعارك تُطفئ فيك إنسانك، ولا تسمح للخذلان أن يسرق منك يقينك بأن هذا التراب، الذي ارتوى بدموعك وعرقك، سيمنحك يومًا ما تستحقه من كرامة وطمأنينة.
فاليـمن -رغـم كل شيء- سيبقى بيتك الكبير، وإن طال عليه الليل، فـلا بد أن تشرق شمسه من جـديـد.



