اليمن بين خنق الرباعية وتغول الحوثي.. آن أوان الكيان الوطني الجامع

ليس الشعب اليمني متسولا بطبعه، ولم يكن يوما متسولا في تاريخه، بل هو شعب كريم أبي، عزيز النفس، وصاحب حضارة ضاربة في عمق التاريخ، غير أن هذا الشعب، ومنذ سنوات، يتعرض لعملية تجويع منهجي وإفقار متعمد عبر أدوات خارجية وداخلية، جعلت من الحياة في اليمن ضربا من الجحيم، وجعلت من كرامة الإنسان سلعة تباع وتشترى في أسواق السياسة الدولية..

الرباعية.. شركاء التجويع وشركاء الخراب

ما تعرف بدول الرباعية (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات) تتعامل مع اليمن بوصفه ملفا أمنيا لا إنسانيا، وساحة نفوذ لا وطنا لشعب يستحق الحياة، فقرارات الحرب والسلم في اليمن تتخذ في عواصم الرباعية، بينما تغيب الحكومة الشرعية عن أي مشاركة فعلية في صنع القرار، رغم أنها نظريا المعترف بها دوليا!.

الشرعية أفرغت من مضمونها، وأقصيت عن طاولة التفاوض، وأبقيت في مربع الهامش، لتتحول إلى لافتة ترفع حينا وتسقط حينا آخر، حسب المزاج الدولي، والأدهى أن أدوات الرباعية في الداخل لم تكتف بإضعاف الحكومة، بل ساهمت في تفكيك مؤسسات الدولة، وخلق سلطات موازية تدار بالريموت كنترول من خارج الحدود..

الحوثي.. الجلاد الذي يلبس عباءة الضحية

وفي المقابل، لا يقل الحوثي إجراما عن أولئك الذين يتحكمون بقرارات الخارج، فقد باع الحوثي قضايا الشعب، واختطف الدولة ومؤسساتها، وحولها إلى منصة لتمويل آلة حربه الطائفية، فالحوثي لم يسع يوما إلى الحكم الرشيد، بل إلى الحكم القمعي، لم يبن مدرسة ولا مستشفى، بل أقام السجون والمقابر، ولم يدخل إلى بيت إلا وأدخل إليه الموت بدلا من الكهرباء، والرعب بدلا من الماء، والدمار بدلا من التنمية!.

هؤلاء، لا يمثلون مشروع دولة، بل مشروع هيمنة، وهم يعلمون أن بقاءهم مرهون باستمرار المعاناة، ولهذا فإنهم لا يفاوضون إلا لشراء الوقت، ولا يهادنون إلا للإعداد لحرب قادمة..

آن أوان الكيان الوطني

في ظل هذا العبث المركب، لم يعد الصمت خيارا، ولم يعد الانتظار ترفا، وعلى النخب السياسية اليمنية –بكافة أطيافها وانتماءاتها– أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية، وأن تبادر إلى تشكيل كيان وطني جامع، لا يخضع لإملاءات الخارج، ولا يساوم على حقوق الداخل..

كيان يعبر عن الإرادة الوطنية المستقلة، ويكون مظلة سياسية وميدانية لاستعادة الدولة، وحماية ما تبقى من مكتسبات وطنية، كيان لا يخضع لتمويل مشروط، ولا يرتهن لمصالح إقليمية أو أجندات دولية، بل ينطلق من معاناة الشعب، ويعمل على تفكيك بنية الفساد والارتهان والاستبداد، التي تتغذى منها جميع أطراف الخراب في الداخل والخارج..

في الختام: اليمن لا يحتاج إلى مزيد من المؤتمرات الشكلية ولا المبادرات المائعة، بل إلى قرار وطني شجاع يعيد الأمور إلى نصابها، فالشعب الذي جوع وقهر وقتل، لا يريد بيانات شجب، بل أفعالا تعيد له حياته المسلوبة، وكرامته المنهوبة، ومستقبله المغتصب..

إن لم تتحرك النخب الآن، فمتى؟ وإن لم تنتج الكارثة هذا الكيان الوطني، فما الذي سينتجه؟ فليكن هذا الألم فرصة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. قبل أن يكتب على اليمنيين أن يعيشوا كالغرباء في وطنهم، ويتسولوا الحياة من أعدائهم!!.