اليمنيون يعرفون من أدخل الحوثيين إلى صنعاء يا "حميد الأحمر"
ارتكبت جماعات مسلحة موالية لجماعة الإخوان المسلمين جريمة نكراء لم يشهدها تاريخ اليمن السياسي: إعدام مسؤولة يمنية ميدانيًا في وضح النهار. جريمة تقشعر لها الأبدان، وأدانها كل صاحب ضمير حي. خرجت تعز عن بكرة أبيها تطالب بالقبض على الجناة ومحاكمتهم، غير أن الجماعة المسلحة رفضت تارة وراوغت تارة أخرى، ولسان حالها يقول: "اليمنيون سينسون افتِهان المشهري".
لكن سرعان ما خرج علينا زعيم التنظيم في اليمن ونجل المؤسس، حميد الأحمر، متحدثًا عن "مؤامرات كونية"، وزاعمًا أن المقاومة الوطنية ومن خلفها دولة الإمارات تهرّب الأسلحة للحوثيين. طرح لا يثير الضحك بقدر ما يثير الشفقة على الحال الذي وصلت إليه جماعة الإخوان، التي يعيش قادتها في المنفى.
لست هنا في موقع الدفاع عن المقاومة الوطنية بقيادة الفريق أول طارق صالح، فله أنصاره الكثيرون، لكن من حقي كمراقب أن أتوقف أمام مقالة حميد الأحمر، التي حاول من خلالها الهروب من جريمة إعدام مسؤولة يمنية في وضح النهار نحو رمي الاتهامات هنا وهناك.
استحضر الأحمر مقولة نسبها إلى والده، مؤسس جماعة الإخوان اليمنية: "تعز هي اليمن". محاولة واضحة لاستعطاف الناس في المدينة والتخفيف من حالة الغضب الشعبي ضد الجماعة المتطرفة.
حميد الأحمر هو نفسه الذي أدخل اليمن، في فبراير 2011م، في دوامة من العنف والدمار حتى أصبح حال البلاد كما هو عليه اليوم: "لا يسر عدوًّا ولا صديقًا"، تحت شعارات "محاربة التوريث". وها هو اليوم يعرض على اليمنيين صيغة جديدة للتوريث، باسم أن والده كان يرى في "تعز كل اليمن"، وكأنه يريد أن يجعل من والده نسخة أخرى من حسين بدر الدين الحوثي.
تحدث الأحمر عن "تحرير صنعاء"، وكأن اليمنيين بلا ذاكرة، ناسيًا – أو متناسيًا – أن احتلال العاصمة جاء عبر بوابة ساحة الجامعة وشعارات "حيّا بهم.. حيّا بهم" في العام 2011م.
وهو ذاته الذي قال حين سقطت صعدة بيد الحوثيين إنها أصبحت "آمنة"، قبل أن يسقطوا حرف سفيان وعمران وصولًا إلى صنعاء في يوليو 2014م.
اليمنيون لم ينسوا أن قيادة الإصلاح أرسلت أمينها العام عبدالوهاب الآنسي إلى صعدة للقاء زعيم الحوثيين والتفاهم معه على هدنة مفتوحة. ولم ينسوا إسقاط عمران ومقتل اللواء حميد القشيبي، ولا شعارات شقيقه حسين الأحمر "لن ننجر". ولم ينسوا أيضًا إيقاف 40 ألف مقاتل كانت دولة إقليمية قد موّلتهم بالأموال والسلاح لصد الحوثيين، ثم انهيار الموقف العسكري. أما الجنرال العجوز، قائد الفرقة الأولى مدرع، فقد فرّ متخفيًا عبر السفارة السعودية.
لم ينس اليمنيون لحميد الأحمر إجبار رئيس حكومة الوفاق محمد سالم باسندوة على تقديم استقالته للحوثيين، وليس للرئيس عبدربه منصور هادي، بعد أن أوهمه أنه سيكون الرئيس البديل: "باسندوة بديلًا لهادي".
أما حديث الأحمر عن أن مأرب "حافظت على الجمهورية"، فنحن نقدر تضحيات القبائل وبعض وحدات الجيش، لكن انسحاب سبعة ألوية من جبهة نهم عام 2020م، بعد عامين من رفض أوامر الرئيس هادي بدعم قوات المؤتمر الشعبي في معركة الثاني من ديسمبر 2017م، يكشف الكثير.
مأرب تحت سلطة الإخوان لم تحافظ على الجمهورية، بل تحولت إلى نقطة إمداد للحوثيين بالسلاح والطائرات المسيّرة. ولعلك يا حميد تتذكر الضابط المأربي ضيف الله السوادي، الذي اعتقل وعُذب حتى الموت لأنه اعترض على شحنة أسلحة كانت في طريقها إلى الحوثيين قبل سبع سنوات.
أتدري من يحمي مأرب اليوم؟ إنهم أبطال قوات العمالقة الجنوبية المرابطون في حريب وغيرها من المناطق المتاخمة. ولو نسيت، أذكّرك بلواء "العفاريت" الذي موّلته السعودية بالمال والسلاح، ثم ذاب واختفى وترك أسلحته للحوثيين، أين هو اليوم لماذا لم يطلق طلقت رصاص واحدة ضد الحوثيين، أين ذهبت تلك الألوية التي كانت ترابط في بيحان وعين حين أسقطها الحوثيون دون مقاومة؟.
الحقيقة أن الرئيس "هادي" لم يخذل تعز، من خذلها هم قادة الإخوان الذين خانوا التحالف العربي، وجعلوا قواته عرضة لهجمات الحوثيين. أما حمود المخلافي فقد هرب إلى تركيا بالأموال التي حصل عليها من السعودية باسم "دعم المقاومة الشعبية". نصف مليار ريال سعودي استحوذ عليها – باعتراف السعوديين – وفرّ بها ليستثمرها في مشاريع خاصة بتركيا. وأنت يا حميد، في كل زيارة لك إلى السعودية، تبحث عن تمويل جديد باسم "مناهضة الحوثيين" وأنت تعلم انك لن تقاتل الحوثيين ولن تقف ضد إيران والحرس الثوري الإيراني "الشركاء في سبأفون"..
أما ميناء المخا الاستراتيجي فقد حولته دولة الإمارات إلى نموذج للاستقرار، في وقت غرقت بقية المناطق في فوضى "ثورة حيّا بهم".
اتهام المقاومة الوطنية بتمويل الحوثيين يفضح هشاشة جماعة الإخوان التي لا تجيد سوى إطلاق الاتهامات. شحنات الأسلحة التي ضبطتها المقاومة الوطنية في عرض البحر خير دليل على كذب تلك الادعاءات.
وبالنسبة لقائد المقاومة الوطنية طارق صالح، فنحن نعرف جيدًا ظروف خروجه من صنعاء في واحدة من أصعب المهام الأمنية، حتى وصل إلى عدن، حيث استعان بالجنوب لبناء قوات حديثة واحترافية، أثبتت حضورها في الساحل الغربي، وأصبحت تصطاد أسلحة إيران في عرض البحر كما تُصطاد أسماك الباغة، أما من ظل يهرب السلاح إلى أذرع إيران في صنعاء، فدماء ضيف الله السوادي ستظل تطارده.
أما جريمة اغتيال الشهيدة افتِهان المشهري فهي قضية جنائية، وعلى سلطات تعز تسليم القتلة للقضاء في عدن، حتى لا تبقى ذريعة للاستغلال السياسي.
الذي يوظف قضية افتِهان سياسيًا هي جماعة الإخوان نفسها، التي خرجت – وعلى لسان حميد الأحمر – لمهاجمة دولة إقليمية لها ثقلها السياسي: دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لولا مشاريعها الإنسانية والتنموية لما أمكن كسر حصار الحوثيين عن تعز. فقد نفذت الإمارات المشروع الاستراتيجي لطريق الكدحة ومحيطها الجبلي، الرابط عبر مناطق الساحل الغربي، ليكون شريان حياة أعاد الحركة التجارية والإنسانية إلى المدينة، ورسالة عملية على أن المعركة مع الحوثيين لا تُحسم بالشعارات، بل بالمشاريع الواقعية التي تخدم الناس وتثبت وجود الدولة.
لن نسمح – كصحافة ومراقبين – أن يُزيف التاريخ أو تُحرف الوقائع. نحن ملتزمون أخلاقيًا بكتابة الحقيقة وتدوينها. فالدعم المادي والعسكري الذي قدمه السعوديون لجماعة الإخوان كان يمكن أن يحرر ليس اليمن فحسب، بل العراق ولبنان وسوريا أيضًا. لكن العقلية الإخوانية وشعارات "لن نقاتل نيابة عن أحد" كشفت حقيقتهم: جماعة بلا حاضنة شعبية ولا قبول وطني.
الفاتورة التي يدفعها الشعب اليمني اليوم هي نتيجة انتفاضة 2011م التي أدخلت البلاد في فوضى عارمة، وسلّمت العاصمة العربية الرابعة لإيران على طبق من ذهب.
وبس.
#صالح_أبوعوذل