مع الأميرة تنهنان لا تستطيع أن تنام...


بروفيسور / قاسم المحبشي....

ثمة فرق بين سردية يكتبها رجل ورواية تكتبها امرأة. في الرواية النسوية حساسية مرهفة وحميمية إنسانية تتخلل السرد والشخوص والأحداث حتى وأن كانت أحداث الرواية تدور في قلب الصحراء القاحلة أو في مملكة الجن الرهيبة كما هو حال رواية تهنينان المدهشة..

 وأنا لست من جماعة الفصل العنصر في الأدب الإنساني ولكنني أقر واعترف أن ثمة فروق في الكتابة للنوع الاجتماع فروق يصعب الإمساك بها ولكننا نشعر بها اثناء القراءة. حيث تختفي لغة الصراع العنيف  وسياقاته ورموزه ك( الحرب ، والحرق والقتل، والتدمير والبطولة والنصر والهزيمة  والنهب والسلب .الخ) ..

فضلا عن ضخب الأحداث المثيرة والمروعة التي يتميز بها السرد الذكور. في سردية الانثى ثمة حكمة وحلم ورفق ولطف في صناعة الشخوص وتصميم أدوارها ونحت أسماءها على نحو متوازي في تمثيل النوع الاجتماعي وفي هندسة الأحداث وتصميم حدودها اللوجستية والدرامية بلغة أدبيّة سلسة ورقراقة وحسن فني جمالي أمومي حميم شديد الحرص على السياق النابض بالحياة المفحمة بالتحدي والفرح والحب والجمال والتعاون والرفق والاهتمام والعشرة أكثر من حرصه على احتدام الصراع واستعجال النتائج كيما اتفق. المرأة تنظر إلى فعل الكتابة من منظور  غريزة الأمومة الحانية والرواية بالنسبة لها هي مولودة تستحق الرعاية والاهتمام والحنان..

في الوقع لم اعد اتذكر متى كانت أخر رواية قرأتها من أدب الصحراء بعد سباق المسافات الطويلة ومدن الملح ل عبدالرحمن منيف ورجال في الشمس لغسان كنفاني وتعيسه للروائي السوداني بشرى فاضل؛ قرأتها حينما زرت الخرطوم عام 2018م..

ففي الايام الماضية وقعت في يدي رواية تنهنان للروائية الجزائرية ليلى تباني. بعثها لي صديق عزيز يعرف حبي للروايات التاريخية؛  تنهنان الأمازيغية، رواية تاريخية فلسفية تدور احداثها في الصحراء الكبرى" الصحراء، التي تمتد كأفق بلا نهاية، ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي كيان حي، نابض، يبتلع كل شيء ويعيد تشكيله. يقول الراوي عن الرمال: “رمال في رمال في رمال. كأن الرمال ابتلعت كل شيء، حتى القبور التي حفروها سرعان ما غمرتها الرياح، وكأن شيئاً لم يكن.”..

 الرمال هنا ليست سوى الزمن، ذلك العدو الأبدي الذي يمحو آثارنا ويعيد ترتيبها بعبثية مطلقة. في هذا العالم المتغير، يصبح كل شيء هشاً، بدءاً من الهوية وصولاً إلى القيم"لكن ليلى تباني حولت الصحراء الجزائرية الموحشة إلى واحة ظليلة ومكان أنيس بسردها الأدبي المبدع إذ مزجت التاريخ بالذاكرة والفلسفة بالأسطورة فأبدعت هذه الرواية الرائعة الجديرة بالقراءة والنقد والتقييم...