اللغة الأخلاقية للعمل الصحفي: بين النقد المشروع وفجور الخصومة
قرأتُ باستغراب بالغ ما كتبه الصحفي محمد الخامري في مقاله الموسوم بـ"المجلس الانتقالي، الوجه الآخر للميليشيا"، والذي تضمّن إساءات شخصية فجّة بحق الأستاذ صلاح العاقل، نائب وزير الإعلام، وصلت إلى حد الشخصنة، في انحدار خطير بمستوى الكلمة إلى مستويات مؤسفة من الابتذال الأخلاقي والمِهني.
وما تعلمناه أن بين النقد المهني والتجريح الشخصي، هوةٌ واسعة لا صلة لها بحرية التعبير، ولا تمت بصلة للنقد المحترم.
ومن حق أي صحفي أن يعبّر عن موقفه تجاه السياسات العامة أو التعيينات الحكومية، بما في ذلك تلك الصادرة عن المجلس الانتقالي الجنوبي، غير أن ذلك لا يمنحه الحق في الانحدار إلى الإسفاف اللفظي، أو التشهير الأخلاقي، أو "شخصنة" المواقف السياسية بهدف النيل من أهلية الآخرين، خصوصا حين يتعلق الأمر بشخصية أكاديمية وإعلامية لها تاريخها المعروف كمعالي النائب صلاح العاقل.
لقد تجاوز المقال حدود النقد المهني ليدخل في باب "فجور الخصومة"، وهو أخطر ما يمكن أن يصيب لغة الصحافة. فعندما يُستبدل الحجاج العقلي بالتجريح الشخصي، والنقد البنّاء بالتنمر والعبارات السوقية، نكون أمام انحدار لا يسيء إلى شخص بعينه، بل يهوي بصورة الصحافة ذاتها في أعين جمهورها.
لقد تحول المقال إلى ما يشبه محاكمة أخلاقية عبثية، لا تستند إلى منطق ولا قانون، بل إلى سردية مشحونة بالكراهية والحقد، في استخدام مخلّ للكلمة التي يفترض بها أن تكون أداة للتنوير لا وسيلة للإبتزاز والتشويه برجالات الجنوب.
ونذكّر هنا بأن شرف المهنة لا يقاس بحدة الألفاظ الساقطة التي استخدمها الخامري، بل بقدرة الصحفي على الحفاظ على اتزان منطقه، ونزاهة قلمه، حتى وهو في أقصى حالات المعارضة. أما ما فعله هذا السفيه، فقد كان انزلاقًا غير محسوب إلى فخ النخبوية المتعجرفة، وسقوطا في مستنقع الخطاب الإستفزازي، والغيرأخلاقي الذي لا يليق بمن يُفترض به أن يمثل مهنة الدفاع عن المظلومين، لا التنمّر عليهم أو جلدهم بألفاظ لا تليق بمقام الكلمة ولا مهنتها.
الأخطر من ذلك كله، أن يتحول بعض الصحفيين إلى منابر لتوزيع صكوك الصلاحية أو استخدام لغة التجريح بالآخرين كسلاح للطعن السياسي. وهذه ممارسة لا تنتمي إلى الصحافة، بل إلى ساحات التحريض والابتذال.
وما يؤلم أكثر أن تصدر هذه الانزلاقات من داخل الجسم الصحفي ذاته، ممن يفترض أنهم حراس الكلمة الشريفة، لا جلادوها.
إن معركة بناء الدولة ليست صراع أشخاص، وليست مناسبة لتصفية الحسابات، أو للنيل من الخصوم باستخدام أدوات التشهير، بل هي ساحة لاختبار القيم والمبادئ والمواقف. وإذا كان الخامري حريصا فعلاً على الإسهام في هذا المشروع الوطني، فعليه أن يتحرر أولاً من فجور الخصومة، وأن يرتقي بلغته إلى مستوى الكلمة المسؤولة. فـالصحافة لا تبنى بالشتائم، ولا تستقيم على أعمدة الكراهية، ولا تزدهر بلغة المهاترات.
ختاما، نؤكد أن حرية التعبير لا تعني التفلت من الضوابط الأخلاقية، وأن أخطر ما تواجهه الصحافة اليمنية اليوم، ليس فقط تحزبها السياسي، بل أيضا تسيب خطابها الأخلاقي، وتحول المقالات إلى أدوات "اغتيال معنوي". وهنا، نرفع الصوت من أجل استعادة الاحترام لمهنة باتت، للأسف، ضحية لأقلام قذرة لا تحسن حمل أمانتها.
ويا أسفاه